فصل: الضرب الأول ما يكتب لمن بحاضرة دمشق منهم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا **


  الصنف الثالث من التواقيع التي تكتب لأرباب الوظائف بدمشق

ما يكتب لأرباب الوظائف الديوانية وهي على ضربين

  الضرب الأول ما يكتب لمن بحاضرة دمشق منهم

وهو على ثلاث مراتب المرتبة الأولى ما يفتتح بالحمد لله وفيها وظائف نسخة توقيعٍ بكتابة الدست بدمشق كتب به لتاج الدين عبد الوهاب ابن المنجا التنوخي عوضاً عن شمس الدين محمد بن حميد بالوفاة وهي‏:‏ الحمد لله الذي جعل تاج الأولياء أينما حل حلى المراتب وزانها وغدا على التحقيق كفأها ووازنها وألبسها من براعته ويراعته عقوداً تزر دررها وجمانها ومنح دستها العلي من ألفاظها المجيدة بيانها وزادها بأصالته فخاراً يستصحب وقتها وزمانها وارتقى ذروتها التي طالما زاد بالمعالي أركانها فتبوأ بمزيد المجد مكانها‏.‏

نحمده على نعمه التي اجزلت إحسانها وأجملت امتنانها ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تشهد القلوب إيمانها ويدخر القائل إلى يوم المخاف أمانها ويتبوأ بها في الدار الآخرة من يخلص فيها جنانه جنانها ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الذي أظهر الله تعالى به الشريعة المطهرة وأبانها وشرف هذه الأمة ورفع على جميع الأمم شانها وبعثه رحمةً إلى كافة الخلق فأقام بمعجزاته دليل الهداية وبرهانها وأطفأ بنور إرشاده شرر الضلالة ونيرانها وأحمد بدينه القويم وصراطه المستقيم معتقدات طوائف الشرك وأديانها صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين ما منهم إلا من نزه نفسه النفيسة وصانها وسلك في خدمته وصحبته الطريقة المثلى فأحسن إسرار أموره وإعلانها صلاةً دائمةً باقيةً تحمد بالأجور اقترانها وسلم تسليماً وبعد فإن أولى من جددنا رفعة تاجه وسددنا قوله في مجلس عدلٍ ينشر فيه بكلمة الحق ما انطوى من أدراجه وحددنا له محل سفارة يلحظ فيه حوائج السائل فيغنيه عن إلحاحه ولجاجه - من هو في السؤدد عريق ولسانه في الفضائل طليق وقلمه حلى الطروس بما يفوق زهر الرياض وهو لها شقيق وكان فلانٌ هو الذي علا تاجه مفرق الرآسة وجلا وصفه صور المحاسن والنفاسة‏.‏

فرسم بالأمر العالي - لا زال يولي جميلاً ويولي المناصب الجليلة جليلاً - أن يستقر المشار إليه في وظيفة توقيع الدست الشريف بالشام المحروس عوضاً عن فلانٍ بحكم وفاته إلى رحمة الله تعالى بالمعلوم الشاهد به الديوان المعمور إلى آخر وقت‏.‏

فليباشر ذلك مباشرةً تشكر مدى الزمان وتحمد كل وقتٍ وأوان وليملأ بالأجور لنا صحفاً بما يؤديه عنا من خيرٍ وإحسان والوصايا كثيرةٌ وأهمها التقوى فليلازم عليها في السر والنجوى والله تعالى يحرسه ويرعاه ويتولاه فيمن تولاه والاعتماد‏.‏

وهذه نسخة توقيع بنظر الخاص من إنشاء ابن نباتة كتب به للقاضي بهاء الدين بن ريان وهي‏:‏ الحمد لله معلي رتب الأعيان ومبقي أحباء السيادة على ممر الأحيان ومبدي بهاء المناصب بمن فضله الواضح والصبح سيان ومنشي ثمرات المناقب في منابت أهلها حيث الفرع باسقٌ والأصل ريان‏.‏

نحمده على أن يسر البيت المعلى بحسنه وأقظ جفن الآمال من وسنه ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تجمع لنا من خيري الدنيا والآخرة كرم المطلبين وشرف المنصبين ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله المشرق فضله على أهل المشرقين والمغربين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين أصبح الثناء عليهم وقفاً واشتمال الذكر عليهم عطفاً صلاةً تضيء آفاق القبول بشمعة صبح لا تقط ولا تطفى وسلم‏.‏

أما بعد فإن للمناصب الدينية نسبةً ببيوت أهل الديانة ولخاص الرتب تعلقاً بالخاص من ذوي الكفاءة والأمانة والمنازل بكواكبها المتألقة والحدائق بمغارسها المتأنقة ونفوس الديار بسكان معاهدها المتشوفة المتشوقة‏.‏

ولما كان الخاص الشريف والوقف المنصوري لوجه المناصب الشامية بمنزلة حسن الشامتين ولرائد الخصب من جهتي الدنيا والآخرة بمحل نفع الغمامتين هذا على صنع البر الممدود مقصور وهذا لسحاب الخير سفاحٌ لأنهر جهةٍ لمنصور يعلو هذا بالناظر في دقائقه إلى أعلى الدرج ويتلو هذا بلسان ميزانه المنفق على المارستان‏:‏ ‏"‏ ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج ‏"‏ - لا يليق الجمع بين رتبتيهما إلا لمن يجمع بسعيه فضل الدارين ومن يجيد بنان قلمه الحلبي حلب ضرعيهما الدارين ومن نشأ في بيت سعادةٍ أذن الله لقدره أن يرفع وأقلام بيته أن تنفع ولمحاسن ذويه أن تشفع بجمالها إلى قلوب الأولياء فتشفع ومن يسر برواية فضله وبرؤيته السمع والعين ومن يفترض شرفه وشرف إخائه حب الحسن والحسين ومن تبتهج جوانح المحاريب بتعبده وتلهج ألسنة مصابيح المساجد بالثناء على تردده وتودده وتستبق جياد عزمه‏:‏ فبينما الكميت في الشهباء تابع أدبه إذا بابن أدهم رسيل تزهده ومن تقول مناصب حلب‏:‏ لله در بهائه المقتبل‏!‏ ومن ينشد ثبات وقاره مع لطافة خلقه‏:‏ يا حبذا جبل الريان من جبل‏!‏ ومن تنفح أخباره منافح الأزهار ومن يشهد بفضله جيش المحراب في الليل وبمباشرته جيش الحرب في النهار ومن تأسى بلدةٌ فارقها فراق العين للوسن ومن يروي صامت دمشق وغيرها من تدبيره عن عامرٍ وعن حسن‏.‏

فلذلك رسم بالأمر الشريف - لا زال من ألقابه الشريفة صالح المؤمنين وعماد الداعين لدولته القاهرة والمؤمنين - أن يفوض للجناب العالي‏.‏

فإنه المعني بهذه الأوصاف المتقدمة والمقصود بإفاضة حللها المعلمة والموصوف الذي يحلو وصفه إذا كرر ويستعبد الأوصاف والأسماع إذا حرر والأحق برتبة عز في النظار مضى وأبقى ثناءه ومكان نظرٍ إن لم يقل الدعاء اليوم‏:‏ أدام الله عزه‏!‏ قال‏:‏ أدام الله بهاءه واللائق بتقرير منصبٍ تقصر دونه المطامع وتصدير ديوانٍ إن انقطعت روايته عن حمزة فقد اتصلت روايته عن نافع‏.‏

فليباشر هذين المنصبين المنجبين مجتهداً في مصالح الخاص الشريف والوقف الذي لا تحتاج همته فيه إلى توقيف حتى يكون خير الخاص عاماً وأمر الوقف تاماً وريعهما بالبركات خير محفوف والمنصوري من جهة المعاضدة قد أضحى وهو بالعضدين موصوف‏.‏

والوصايا متعددةٌ وهو أدرى وأدرب بها وتقوى الله تعالى أولى وصيةٍ تمسك المرء بسببها وشكر النعمة أدل على نبيه همم الرجال وعلى فضل مهذبها والله تعالى يسدد قلمه ويثبت في مطالع العز قدمه بمنه وكرمه‏!‏‏.‏

توقيعٌ بنظر الخزانة العالية من إنشاء ابن نباتة كتب به للقاضي تقي الدين بن أبي الطيب بالجناب العالي وهو‏:‏ الحمد لله الذي له خزائن السموات والأرض وبحكمته يهب منها ما يشاء لمن يشاء رضي المعاند أم لم يرض وبمنته فضلت مراتب أهل التقى على الرتب كما فضل على النافلة الفرض وبعنايته بنيت بيوت أهل السيادة على الطول وبقي صالح عملهم إلى العرض وبهدايته سما إلى أعلى الخزائن من تقرضها أوصاف قلمه وقلم أبيه أحسن القرض‏.‏

نحمده على ما منح من خزائن فضله ونشكره والشكر ضامن المزيد لأهله ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً يدخرها الإنسان لنيته وقوله وفعله ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الذي جمع بفيئه وفرق ببذله وأعطى ما لم تنطو ضمائر الأكياس في صدور الخزائن على مثله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الساليكن سنن فضيلته وفضله التابعين في الكرم والبأس قياس بيانه ونص نصله ما أطلعت خزانة الوسمي آثار نقط الغيث كالدراهم وخلعت على الدنيا خلع الروض متقلنسةً بمستدير الظلال مزورةً بمعقود الكمائم وسلم تسليماً كثيراً‏.‏

وبعد فإن الرتب ذخائر قومٍ في خزائن الاختيار وأخاير أهلٍ تزكو نقود شيمهم على محك الاعتناء والاعتبار وفروع خلفٍ تظهر مظاهر نصولها الزكية سابغة الظل رائقة الزهر فائقة الثمار إذا احتيج منهم إلى ذخيرة نفعت وإلى أخير وقتٍ أربى على عزائم الأول وما صنعت وإلى فروع شجرةٍ سرت محامدها الضائعة‏:‏ لا مما ضاعت بل مما تضوعت‏.‏

ولما كانت رتبة نظر الخزانة العالية بدمشق المحروسة أحق بمن هذا وصفه وهذا نعته في مقدمة الذكر الجميل وهذا إليه عطفه إذ هي مرتبة العلياء ومكانها وزهرة سماء المملكة وميزانها ومنشأ غيوث صلاتها الهامرة ومنبت رياض خلعها الزاهرة وأفق السعادة ومطلع نجمها المنير وجنة أولياء الدولة ولباسهم فيها حرير ومعنى شرف الاكتساء والاكتساب ومأوى الفاضل - وكان الجناب ممن تضم أعطافه أنوار السعادة وتحف أطرافه والسيادة وتنتقل جلسته‏:‏ إما من تنفيذ الديوان لمرتبةٍ وإما من تدريس العلم لسجادة ذو الفضل والفضائل حسن التجنيس والتطبيق والكتابة‏:‏ من حساب وإنشاءٍ زاكية النثر على التعليق ونفحات البر من نفحات العيش أجود والشبيبة فيها النهى فمكانه كما قال البحتري‏:‏ نسبٌ أسود والهمم التي حاولت منال الشهب الممتنعة ولات حين مناص والكلمة التي لو عاين البصري فرائد نحرها لقال‏:‏ كل هذه درة الغواص والعزائم التي رامت المناصب فما قبلت من خزانتها سوى الرفيع وما رضيت من ديوانها سوى الخاص كم نبهت منه المقاصد عمر ثم نامت‏!‏ وملأ الرباع خيراً وفياً‏!‏ وقيض الله للفقراء والأيتام حناناً من لدنه وزكاةً وكان تقياً‏.‏

فلذلك رسم بالأمر الشريف - لا برح صالح الدهر كالزهر مالك نفوس الأولياء والأعداء‏:‏ هاتيك بالإنعام وهاتيك بالقهر - أن يفوض إليه نظر الخزانة العالية مضافاً إلى ما بيده من نظر الخاص الشريف‏:‏ لأن مثله لا يصرف عن وظيفة بسناه تعترف ومن نداه تغترف وأن اجتماع العدل والمعرفة قاضٍ بأن عمر لا ينصرف وأن الخاص لخاص الأولياء أمس مكانة وأن الخزانة أنسب بمن عرف بالصيانة وأن خزائن الأرض وهي مصر لو نطق نظيرها لقال‏:‏ ليس لي مثل هذه الخزانة وأن عين الأعيان أولى بالنظر وأن الأنظار لا بل الصحابة أحق بعمر لما علم من سيرته النقية وسريرته التقية وصفاته التي يمتد فيها نفس القول حتى ينقطع وفي الأوصاف بعد بقيةٌ وبقية‏.‏

فليباشر ما فوض إليه من أعلى المراتب المنجبات والوظائف المعجبات المعشبات والجهات التي ما لها كبيته الطيبي‏:‏ والطيبون للطيبات مستجداً من نظر هذه الخزانة ثوب سعده الجديد معملاً في مصارف الذهب والفضة بصر آرائه الحديد منبهاً لها عزمه العمري ونعم من ينبه مشبهاً في الكفاءة أباه المرحوم وما ظلم من أشبه مقرراً من أحوالها أحسن مقرر محرراً من أمورها أولى ما اعتمد والخزانة أولى بالمحرر حافظاً لما لها بقلم التحصيل حتى ينفذ قلم الإطلاق صائناً لوفرها حتى ينفقه الكرم خشية الإمساك بعد ما أمسكه الصون خشية الإنفاق مستدعياً من أصنافها كل ما تنوع وتصنف وتوشع وتفوف مثبتاً كل ما خلع من ديوانها العزيز وتخلف مؤلفاً للكساوى في رحلة كل صيفٍ وشتوة مواصلاً للأحمال من دمشق على كل حال من جهة الكسوة منهياً لإنعامها بقلم الإطلاق التام متلقفاً بعصا قلمه في يده البيضاء ما تأفك عصا الأقلام حريصاً على أن يكون بابها في الكرم كما قال‏:‏ سهل الحجاب مؤدب الخدام عاملاً بتقوى الله تعالى التي بها يبدأ الذكر الجميل ويختم ويلبس بها في الدنيا والآخرة رداء الخير المعلم غنياً عن تبيين بقايا الوصايا التي هو فيها بحرٌ وابن بحرٍ بكتاب البيان والتبيين أعلم والله تعالى يمده بفضله ويحفظ عليه الفضل الذي هو من أهله ويملأ آماله بغمام الخير الصيب ويديم سعادة بيته الذي لا يرفع الشكر لطيبه إلا الكلم الطيب‏.‏

المرتبة الثانية من تواقيع أرباب الوظائف الديوانية بحاضرة دمشق ما يفتتح بأما بعد حمد الله وهذه نسخ تواقيع من ذلك‏:‏ نسخة توقيع بنظر الأسرى ونظر الأسوار كتب بها لداودار الأمير سودون الطرنطاي كافل الشام وإن كانت هي في الأصل ديوانية أو دينية وهي‏:‏ أما بعد حمد الله الذي خص أولياءه بفضله الوافر وعمهم بحسن نظره فأشرق صبح صباحهم السافر وانتضى من عزائمهم لنصرة الدين سيفاً يسر المؤمن ويغيظ الكافر واجتبى من الكفاة من يشيد معاقل الإسلام بفضله المتظافر والصلاة والسلام الأتمين الأكملين على سيدنا محمدٍ الذي أضاء برسالته الوجود وخصه الله تعالى بالصفات الفائقة والمآثر الحسنة والجود وعلى آله وصحبه الذين حرسوا الملة الحنيفية من جهادهم بأمنع سور وأوهنوا جانب الكفر وأنقذوا الأسير وجبروا المكسور صلاةً دائمةً مدى الأيام والشهور معليةً للأولياء علم النصر المنشور - فإن أولى من عدقنا به المناصب السنية وفوضنا إليه جليل الوظائف الدينية ونطنا به فك رقبة المسلم من أسره وخلاصه من عدوه الذي لا يرثي لمسكنته ولا يرق لكسره وأجرينا قلمه ببذل الفداء وجعلنا مداده درياقاً لمرض الأسر الذي يعدل ألف داء وأقمناه للعاني من شرك الشرك منقذاً وللدافع في بيداء العدا بحسن إعانته منجداً وللأسوار الممنعة بجميل نظره متفقداً - من أضحى فضله ظاهراً وجلاله باهراً وخلاله موصوفةً بالمحاسن أولاً وآخراً‏.‏

وكان فلانٌ هو الذي بهرت مآثره الأبصار وملأت الأسماع وانعقدت على تفرده في عصره بالمفاخر كلمة الإجماع وسارت الركبان بذكره الذي طاب وجوده الذي شاع وصفت سريرته فأضحى جميل الإعلان وحمدت سفارته فكانت عاقبة كل صعبٍ ببركتها أن لان‏.‏

فلذلك رسم بالأمر العالي - لا زال يولي جميلاً ويولي في الوظائف جليلاً - أن يستقر المشار إليه في وظيفتي نظر الأسرى والأسوار بدمشق المحروسة على أجمل عادة وأكمل قاعدة بالمعلوم الشاهد به ديوان الوقف المبرور إلى آخر وقت‏:‏ وضعاً للشيء في محله وتفويضاً لجميل النظر إلى أهله‏.‏

فليباشر ذلك مباشرةً تسر النفوس وتزيد بها الغلال وتزكو بها الغروس وليجر أحوال الوقف المبرور على مقتضى شرط الواقف والشرع الشريف وليتصرف في تحصيل المال وإنفاقه أحسن تصريف وليجتهد على تخليص المأسور وإغاثة من ضرب بينه وبينه بسور ويسارع إلى تشييد الأسوار الممنعة وإتقان تحصينها ليتضاعف لمن حوته منا الأمن والدعة والوصايا كثيرةٌ وملاكها تقوى الله تعالى وسلوك صراط الحق المستقيم‏:‏ فليواظب عليها وليصرف وجه عنايته إليها والله تعالى يديم علاه ويتولاه فيما تولاه بمنه وكرمه‏.‏

توقيعٌ بصحابة ديوان الأسرى من إنشاء ابن نباتة كتب به للقاضي شرف الدين سالم بن القلاقسي وهو‏:‏ أما بعد حمد الله الذي جدد بطالع الشرف قواعد بيت السيادة ومشاهد حوك السعادة ومصاعد ذرا الأقلام التي قسمت مجاني قصبها للإفاءة والإفادة ومعاهد القوم الذين سلكوا مسالك سلفهم الحسنى‏:‏ ولو كان التمام يقبل هنا مزيداً قيل‏:‏ وزيادة والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الذي شد الله برسالته أزر الحق وشاده وعلى آله وصحبه ذوي الأقدار المستزادة المستجادة ما اتصل بحديث الفضل سنده وأمن بيت التقوى سناده - فإن البيوت المنتظم فخارها المأمون من عروض الأيام زحافها وانكسارها أولى بأن تنتخب لهم المناصب كما تنتخب للبيوت المعاني وتستقرى الوظائف العلية كما تستقرى لمواضع كلمها المباني وتختار لنجل الأصحاب بينهم كل جهةٍ مأمونة الصحابة موقورة السحابة مجرورة ذيل الخيرات السحابة مصونةٍ عن غير الأكفاء كما يصان للجهات حجباً لائقةٍ بالأفاضل لأن لأوقاف الأسرى بالفاضل نسباً‏.‏

فلذلك رسم بالأمر الشريف أن يرتب في كذا‏:‏ علماً بأنه الرئيس الذي إذا ولي وظيفةً كفاها وإذا وعدها بصلاح التدبير وفاه وفاها وإذا وصل نسبها بنسبه كان من إخوان صفائها لا من إخوان صفاها والخبير الذي استوضح بيمن الرأي مذاهبه ومسالكه والعالم الذي إذا مشى الأمور بسط جناح الرفق وإذا مشى بسطت له أنحتها الملائكة والجليل الذي إذا نظر ذهنه في المشكلات دقق والكاتب الذي تعينت أقلام علمه وكفاءته إلا أن كلها في الفصل محقق هذا وخط عذاره ما كتب في الخد حواشيه وليل صباه ما اكتمل فكيف إذا أطلعت كواكب المشيب دياجيه وكيف لا وأبوه - أعلى الله تعالى جده - صاحب المجد الأثيل والفضل الأصيل ووكيل السلطنة الذي إذا تأملت محاسنه قالت‏:‏ حسبنا الله ونعم الوكيل‏.‏

فليباشر هذه الوظيفة برأيٍ يسهل - بمشيئة الله - عسيرها ويفك - بعون الله - أسيرها واجتهادٍ سنيٍّ يحسن قلمه في الأمور مسرى واعتمادٍ سريٍّ لا يرى ديوان أسرى منه أسرى مشبهاً أباه في عدله ومن أشبه أباه فما ظلم وتوقد رأيه لدى طود حلمٍ وعلم فيالك من نارٍ على علم‏!‏ حتى يأمن ديوان مباشرته من ظلم الظالم ويشعل ذكاءه حتى يقال‏:‏ عجباً للمشعل ناراً وهو سالم‏!‏ ويثمر مال الجهة بتدبيره ويشترك لفظ إطلاق الديوان في ماله وأسيره وتنتقل الأسرى من ركوب الأداهم إلى ركوب الشهب والحمر من دراهمه ودنانيره ويحمد على الإطلاق وينفق خشية الإمساك إذا أمسك غيره خشية الإنفاق ويمشي بتقوى الله - عز وجل - في الطريق اللاحب وينسب إلى ديوانه وقومه فيقال‏:‏ صاحبٌ طالما انتسب من سلفه لصاحب والله تعالى ينجح لكواكب رأيه مسيراً ويجبر به من ضعف الحال كسيراً ويكافيء سادات بيته الذين ‏"‏ يطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً ‏"‏‏.‏

المرتبة الثالثة من تواقيع أرباب الوظائف الديوانية بحاضرة دمشق ما يفتتح برسم بالأمر الشريف وهذه نسخ تواقيع من ذلك‏:‏ نسخة توقيع‏.‏

من إنشاء ابن نباتة كتب به للقاضي علاء الدين بن شرف الدين بن الشهاب محمود عند موت أبيه وهو صغير وهي‏:‏ رسم بالأمر الشريف - لا زال يجبر ببره مصاب الأبناء بآبائهم ويسرهم بما يتجدد في كواكب الشرف من علائهم ويعتق قلوبهم من إسار الحزن حتى ينشأوا من الصغر على أنساب عفتهم وولائهم - أن يستقر‏.‏

اعتماداً على نجابته الشاهدة ومخايل همته السائدة واستناداً إلى أصالته التي لا يبدي فرعها إلا زكي الثمر ولا يهدي بحرها إلا أنفس الدرر ولا يخلف أفقهها إلا كبيراً تستصغر الأبصار رؤيته‏:‏ والذنب للطرف لا للكوكب في الصغر وعلماً أنه من أسرةٍ شهابية لا يهتدى في الإنشاء إلا بنورهم ولا يتحدث بالعجائب إلا عن بحورهم ولا ينبت أقلام البلاغة إلا عشبهم ولا تعشب روضات الصحائف إلا سحبهم ولا تثبت أفلاك الكتابة إلا كتبهم صغيرهم في صدور الإنشاء كبير وملقن آيات فضلهم يروي أعداد الفوائد عن ابن كثير وعليهم بعد أبي بكر تقول المحامد لسلفه وخلفه‏:‏ منا أميرٌ ومنكم أمير وأنه اليوم لا سيف إلا ذو الفقار من أذهانهم ولا فتىً إلا علي من ولدانهم وأن فرخ البط سابح وسعد القوم للأنداد ذابح وخواتم صحف الجمع الظاهر أشبه بالفواتح والبلاغة في الدنيا كنوزٌ والأقلام في أيديهم مفاتح وأن الكلام حليته وسمته وأنه إذا خدم دولةً بعد مخلفه قيل للذاهب‏:‏ لقد أوشحنا وجهه وللقادم‏:‏ لقد آنستنا خدمته‏.‏

فليأخذ في هذه الوظيفة بقوةٍ في كتابه وليتناول باليمن واليمين قلم جده كما تناول راية مجده عرابة وليتقلد بقلائد هذه النعم عقيب ما نزع التمائم وليجهد في إمرار كلمه الحلو الذي أول سمائه قطرٌ ثم صوب الغمائم مجوداً خطه ولفظه حتى تتناسب عقده ناشئاً عن كتم السر حتى كأن الفؤاد قبره والجنب لحده مهتدياً بالعلم الشهاب في بر أخيه الأكبر فإنه من بوارق المزن مبتدياً مع أخيه الآخر السرور إذ ينزع عنهما لباسهما من الحزن والله تعالى يزيد في فضله ويتم عليه النعمة كما أتمها على أبيه من قبله ويفقهه في السيادة حتى يحسن في الفخار توقيعٌ بنظر مطابخ السكر من إنشاء ابن نباتة كتب به للقاضي شرف الدين بن عمرون وهو‏:‏ رسم‏.‏

- لا زالت سمة المناصب في دولته الشريفة مشرفة وأقلام الكفاة مصرفة وألفاظ الشكر ثابتةً عند ذوي الاستحقاق ومصنفة والنعماء المنصفة لأمثالهم حلوة المذاقين من نوعٍ ومن صفة - أن يستقر‏.‏

لما عرف من شيمه المستجادة وهممه المستزادة وكفاءته اللائق بها حسن النظر الثابت بفضلها رقم الشهادة وأصالته التي نهض أولها بمهمات الدول فلو رآه معاوية - رضي الله عنه - لقال‏:‏ يا عمرون أنت عمرٌو وزيادة ولما ألف من مباشرته المنيفة خبراً وخبراً وأنظاره السامية إلى معالي الأمور نظراً ووظائفه التي لا يكاد يبلغ العشر منها ذوو الهمم العلية وجهاته التي عرف بها سلفه وخلفه فلا غرو أن لبس عمامة مفاخره بيضاء وسكرية‏.‏

فليباشر هذه الوظيفة الحلوة معنىً ومذاقاً الحلية عقداً ونطاقاً المحسوبة على مطالع الشرف وفقاً وآفاقاً جاعلاً شكر النعمة من أوفى وأوفر مزاياه وصلف الهمة من أولى وأول وصاياه حافظاً للمطابخ وإن كان عادة آبائه بذلها مدخراً للجفان وإن كانت سمة قراهم إزالتها ونقلها حريصاً على أن لا يجعل لأيدي الأقلام الخائنة مطمحاً وعلى أن ينشد كل يومٍ للتدبير لا للتبذير‏:‏ لنا الجفنات العز يلمعن في الضحى محرراً لحساب درهمها ومحمولها ومصروفها ومحصولها محترزاً على مباشرته من الخلل في هذين المكانين حذراً من كفتها وقبانها فإنها تتكلم في الحمد أو في الذم بلسانين بل تعلن - إن شاء الله - بحمده المقرر وتكرر الأحاديث الحلوة عنه فمن عندها خرج حديث الحلو المكرر والله تعالى يمد مساعيه بالنجح الوفي ويلهم همته أن تنشد‏:‏ ما أبعد العيب والنقصان من شرفي‏!‏‏.‏

توقيعٌ بنظر دار الطراز من إنشاء ابن نباتة وهو‏:‏ رسم بالأمر - لا زالت سيره بمرقوم المحامد مطرزة ودولته بمحاسن التأييد والتأبيد معززة ونعمه ونقمه‏:‏ هذه على الأعداء مجهزة وهذه إلى الأولياء مجهزة - أن يرتب فلانٌ‏:‏ لكتابته التي رقمت الطروس وطرزت بالظلماء أردية الشموس وأثمرت أقلامه بمحاسن التدبير فكانت في جهات الدول نعم الغروس وحسابه الذي ناقش ونقش ورقم الأوراق ورقش واعتزامه الذي علم رشداً وسلك طريقاً في الخدمة جدداً وقوي اسمه وتكاثرت أوصافه فما كان من أنداده أضعف ناصراً وأقل عدداً وأنه الكافي الذي إذا قدم نهض وإذا سدد سهم قلمه أصاب الغرض والسامي إلى سماء رتبه بالقلب والطرف والمنزه لقلمه الحر من أن يستعبد على حرف‏.‏

فليباشر هذه الوظيفة بكفاءةٍ عليها المعول وأقلامٍ إذا تمشت في دار الطراز على الورق قيل‏:‏ شم الأنوف من الطراز الأول مستدعياً لأصنافها ومالها عادلاً في قسمة رجائها ورجالها معملاً راحته بالقلم فإن كتابتها متعبة مهتدياً في طرق حسابها فإنها متشعبة ماشياً على نهج الاحتراز ساعياً إلى الرتب بإرهاف عزمٍ كالسيف الجراز سعيد السعي - إن شاء الله تعالى - حتى يقول سناء الملك المستنهض له‏:‏ هذا القاضي السعيد وهذه دار الطراز والله تعالى يوفقه في جميع أحواله ويؤيد مساعي قلمه الذي تنسج أقلام الكفاة على منواله‏.‏

توقيعٌ بنظر الرباع من إنشاء الشيخ صلاح الدين الصفدي باسم القاضي نجم الدين أحمد بن نجم الدين محمد بن أبي الطيب وهو‏:‏ رسم بالأمر العالي - لا زال نجم آلائه يتقد نوراً وخاطر أوليائه يتحد بالآمال سروراً - أن يرتب المجلس السامي القضائي - أدام الله تعالى علوه - في نظر الرباع الديوانية ومباشرة الأيتام - حرسهم الله تعالى - على عادة من تقدمه وقاعدته بالمعلوم الذي يشهد به الديوان المعمور إلى آخر وقت‏:‏ لأنه النجم الذي بزغ في أفق الرآسة وجمل ما آثره قبيله وأناسه والأصيل الذي شاد الفضل مجده وأحكم الفخر عقده والرئيس الذي يصدق التفرس في شمائله ويحكم الظن الصائب في أثناء مخايله‏.‏

فليباشر ذلك مباشرةً هي معروفةٌ من هذا البيت مألوفةٌ من كبيرهم وصغيرهم‏:‏ فإنهم لا لو فيهم ولا ليت معتمداً على سلوك طريقة أخيه وأبيه مجتهداً على اتباع اعتمادهما في توخيه الصواب أو تأبيه حتى يقال‏:‏ هذا صنو ذلك الغصن الناضر وهذا شبل ذلك الليث الخادر وتصبح الرباع بحسن نظره آهلةً بالأهلة كاملةً بالمحاسن التي تمسي الأقمار منها مستهلة وتعود الأيتام بمشارفته كأنهم لم يفقدوا بر والدهم ولم يحتاجوا مع تدبيره إلى مساعدهم‏.‏

والوصايا كثيرةٌ وأهمها تقوى الله عز وجل فإنها الحصن الأوقى والمعقل المنيع المرقى فليتخذها لعينيه نصباً وليشغل بها ضميره حتى يكون بها صباً والله تعالى ينمي غصنه الناضر ويقر بكماله القلب والناظر والخط الكريم أعلاه الله تعالى أعلاه حجةٌ في ثبوت العمل بما اقتضاه والله الموفق بمنه وكرمه‏!‏‏.‏

توقيعٌ باستيفاء المقابلة واستيفاء الجيش وهو‏:‏ رسم بالأمر - لا زالت المناقب في دولته الشريفة شمسية الأنوار قرشية الفخار مشتقة المحامد من الأسماء والآثار محصلة بأقلام اليمين ما يبذله الكرم من أقسام اليسار - أن يستقر‏.‏

حسب الاستحقاق المقتضى والاختيار المرتضى وعين الرأي الذي ما بينه وبين الرائي حاجب وتقدم السنة القديمة فإن التقديم لقريش واجب ولأن الصفات الشمسية أولى بشرف آفاقها ومنازل إشرافها وإشراقها ومطالع سعدها المنزهة عن اللبس وجلائل قلمها العطاردي في يد الشمس ولأن المشار إليه أحق بمصاعد المرتقين ولأنه تربى في بيت التقى فكان الله معه إن الله مع المتقين‏.‏

فليباشر هاتين الوظيفتين على العادة المعروفة بعزمه السديد ومدات قلمه التي بحرها في السبع بسيطٌ وظلها في النفع مديد وليتمثل بديوان مقابلة فريداً لا يرهب مماثلة وليجبر أحوالها بضبطه حتى يجمع بين الجبر والمقابلة وليمد لجيوش المنصورة من أوراقه بأعلامه ومن قصبات السبق برماحٍ تعرف بأقلامه وليسترفع من الحسبانات ما يمحو بإيضاحه وتكميله من مقدمات ظلم وإظلام وليجمع بين ضرتي الدنيا والآخرة في شريعة الإسلام والله تعالى يمد قرشيته بأنصار من العزم وتابعين بإحسانٍ من نوافذ نوافل الحزم‏.‏

توقيعٌ بصحابة ديوان الأسواق من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة وهو‏:‏ رسم بالأمر - لا زالت أسواق نعمه قائمة وأجلاب كرمه دائمة ولا برحت المناصب مكملةً بكفاة أيامه الذين يحققون ظنونها السامية ويرعون أحوالها السائمة - أن يرتب فلانٌ‏.‏

علماً بكتابته التي وسمت الدفاتر أحسن سمة واستبقت إلى صنع الخير المسومة وكفاءته التي لا تزال تنمو لديه وتنتمي ويراعته التي إذا سئل عنها السوق قال‏:‏ هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ودرايته التي تعين المملكة على المير ويشهد تيمنها أن الخيل في نواصيها الخير وتحقق فيه الظن والأمل وتحوط السوق عن الخائن حتى يقول‏:‏ لا ناقة لي في هذا ولا جمل وأنه الكافي الذي إن قال أو فعل كان مسدداً وإن ضبط ديوان الشد السعيد كان على الزائغين من الكتبة حرفاً مشدداً‏.‏

فليباشر هذه الوظيفة المباركة متمكن الأسباب مالك الحزم والرفق حتى تكثر لديه الجلاب معيناً لبيت المال على الإنفاق قائماً بحقوق ذوي الاستحقاق عالماً أنه متولي أكثر جهات الخير المطلق فليكن بها مشكوراً على الإطلاق مجتهداً في رضا المطالبين حتى يتبعوا سنن المرسلين في هذه الصفة يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق مواظباً على الديوان الذي هو بصحابته معدوق سالكاً سبل الصيانة والكفاءة فكلاهما نعم السبيل المطروق محترزاً من ذي خيانةٍ إن غفل عنه طفق مسحاً بالسوق والله تعالى يوفق عزائمه التي هي أشهر من علم وهمته التي قاسمت أبا الطيب‏:‏ والخيل تشهد والقرطاس والقلم‏.‏

نسخة توقيعٍ بشهادة الخزانة العالية من إنشاء ابن نباتة كتب به لجمال الدين عبد الله بن العماد الشيرازي وهي‏:‏ رسم بالأمر الشريف - لا زالت سمة المناصب في دولته بأسماء الكفاة مجملة وخلع المفاخر على بيوت السيادة مكملة وخزائن الملك بين نقيضين من جنسٍ واحدٍ‏:‏ فبينما هي بأقلام الكفاة محتفظةٌ إذا هي بأقلام الكفاة مبذلة - أن يستقر المجلس السامي‏.‏

علماً بمحاسنه التي وضح جمالها وتفسح في العلياء مجالها ونجح في منابت الفضل أصلها وشرف بكواكب اليمن اتصالها ومعاليه التي تهلل بها وجه الأصالة وكمل بيت الرآسة والجلالة ومساعيه التي استوفى بها أجناس الفضل وتوريثه فما أخذها عن كلالٍ ولا ورثها عن كلالة وسيرته التي تطوي فخار الأقران حين تنشر وهمته التي أنشدت السعادة فرعها الكريم‏:‏ مباديك في العلياء غاية معشر ومكانته من بيت السيادة الرفيع عماده البيدع سنده المنيع سناده المديد من تلقاء المجرة طنبه الثابتة من حيز النجوم أوتاده وأنه نجل السراة الذين أخذوا من الفضل في كل وادٍ واستشهدوا على مناقبهم كل عدوٍّ وكل واد وحملوا من صناعاتهم راياتٍ عباسيةً سارت بها رماح أقلامهم تحت أبدع سواد وملأوا قديم الأوطان بشرف الأخير‏:‏ فسواءٌ على شيراز محاسن ابن العميد ومحاسن ابن العماد وتبينت مناقبهم بهذا النجل السعيد طرق المراتب كيف تسلك وإحراز المناصب كيف يكون لها يد أرباب البيوت أملك ودرجات الوظائف كيف تسر الوالد بالولد حتى يقول‏:‏ لا أبالي هي اليوم لي أم لك‏!‏ كم استنهض والده لجليل فكفى وجميل قصدٍ فوفى وأوقاتٍ علت حتى أضحت إلى علاه تنتسب ومناصب رزق - بتقواه فيها - من حيث يحتسب ومن حيث لا يحتسب وجاء هذا الولد ذخيرة والده فحسنت فليباشر هذه الوظيفة مباشرةً هي أعلى منها وأشرف سيرة مجتهداً فيما يبيض وجه علمه ونسبه عارفاً قدر هذه الرتبة من أوائل رتبه متيقظ الأفكار والطرف متأرج المعرفة إذا ذكروا العرف زاكياً تبر شهادته على التعليق فلا ينتقد عليه في متحصل ولا صرف حتى تقول الخزانة‏:‏ نعم العزم الشاهد‏!‏ وحتى يشهد بوفاء فضله المضمون وحتى يعلم بأمانته أن عبد الله هو المأمون وتقوى الله تعالى في الوصايا أول وأولى ما تمسك به واستقام على شرف مذهبه والله تعالى يسر الإسلام بتنبيه قدره ويقر الأوصاف بمهذبه‏!‏‏.‏

توقيعٌ بشهادة الأسوار وهو‏:‏ رسم بالأمر - لا زال يمد على الإسلام من عنايته سوراً ويجدد للأولياء براً ميسوراً ويسعدهم بكل توقيع يكون بالحساب يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً - أن يرتب المجلس‏.‏

علماً بعزمه الساهد وحزمه الشاهد وكفاءته وأمانته التي ما كان وصفهما حديثاً يفترى ونظراً لحاله وحال الأسوار‏:‏ فيا لها شهادةً كان أصلها نظراً‏.‏

فليباشر هذه الرتبة المباركة كما عهد منه مباشرةً حسنة الآثار مشرقة الأنوار جاعلةً تلك العمائر حليةً لدمشق‏:‏ فبينما هي سورٌ إذا هي سوار ضابطاً لمتحصلها ومصروفها محرراً لوقفها من وقوفها جارياً على جميل عادته زاكياً بكرم الله تعالى على التوفيق تبر شهادته حتى تشهد هذه الوظيفة بهمته المتمكنة الأسباب ويضرب بين المدينة وبين من كادها بسورٍ باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب والله تعالى يسدده في كل أمر ويحفظ همته وبركته ليوم كريهةٍ وسداد ثغر‏.‏

توقيعٌ بمشارفة خزائن السلاح لمن لقبه جمال الدين إبراهيم وهو‏:‏ رسم بالأمر العالي - أعلى الله تعالى أعلام حمده وجعل أحكام المقادير من جنده ولا زالت أفلاك الشهب من خزائن سلاح سعده - أن يرتب‏.‏

حملاً على حكم النزول الشرعي والطلوع إلى رتب الاستحقاق المرعي وعلماً بكفايته التي بلغته آمالاًن وجعلت للوظائف بذكره جمالاً وثمرت بقلمه للجهات مالاً وأوصلته على رغم الأنداد لما لا واعتماداً على أمانته التي أعدها ملاذاً واكتفى بها سلاح عزمه نفاذاً وصيانته التي طالما اعترض لها عرض الدنيا فقالت‏:‏ يا إبراهيم أعرض عن هذا واستناداً إلى نشأته في بيتٍ علت في المناصب أعلامه وصدقت في المراتب حلومه وأحلامه وتناسبت الآن تصرفاته السعيدة‏:‏ فإما في تدبير الجيوش وإما في تثمير السلاح أقلامه‏.‏

فليباشر هذه الوظيفة المباركة بعزمٍ بادي النجا والنجاح وقلمٍ على حالتي وظيفته وهمته ماضي عزم السلاح مقرراً لعملها ومعمولها ضابطاً لواصلها ومحمولها حتى يذهب لسان سيفها بشكره وتطلع أهله قسيها بيمامن ذكره وتكون كعوب رماحها كلها كعبٌ مباركٌ بمباشرته وبشره والله تعالى يسدد قلمه في وظيفته تسديد سهامها ويوفر له من أنصباء المراشد وسهامها‏.‏

قلت‏:‏ وهذا توقيعٌ بوظيفةٍ بكتابة ديوانية لسامري من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة وهو‏:‏ رسم بالأمر - لا زال قلم أوامره الفضي يظهر ثمره مسمعاً حديث الإنعام الشامل حتى سمره - أن يرتب فلانٌ في كذا‏:‏ علماً بكفايته التي يعذر بها في قومه على سلوك التيه وحذق حسابه الذي هو ألذ من السلوى لمجتنيه ومجتبيه وقريحته التي إذا اختارها اختيار قوم موسى فاز من العمل بمطلوبه وإذا قيل‏:‏ يا سامري ما قدمك على القرناء في الحساب قال‏:‏ بصرت بما لم يبصروا به وأمانته التي حاطت حياطة الصعدة السمراء ورفعت رايته على الأنداد قائلةً‏:‏ ما حاط البيضاء والصفراء كصاحب الحمراء‏!‏ واعتماداً على كتابته التي شهدت بها من حسباناته الأسفار المبينة وإقراءً لصناعاته التي سحرت الفكر حتى قيل‏:‏ هذا من شعب القرايين والكهنة‏.‏

فليباشر هذا الاستيفاء لأوفى منه مترقياً ولكلمات الاختيار متلقياً ناهضاً بالخدمه مجدداً باعتزامه الإسرائيلي ذكر النعمة عارفاً قدر الإنعام الذي رعى وشمل كل ذمة سالكاً من الاجتهاد في خدمة حسابه كل طريقة غائظاً للحساد من أهل ملته‏:‏ فيعبدون العجل مجازاً وحقيقة مجتهداً في استنزال المن لا المنع معوذاً آلاف الحواصل بعشر كلماتٍ راتبةٍ منه في السمع معلقاً على جميعها هيكلاً من أمانته فهو أدرى في الهيكل بشرط الجمع صائناً لنفسه من عدوان الخيانة حتى لا يعدو في سبتٍ ولا في أحد متنزهاً عن أكل المال مع الخونة حتى يقال‏:‏ نعم السامري الذي لا يأكل مع أحد‏.‏

  الضرب الثاني من الوظائف الديوانية بالشام

ما هو خارجٌ عن حاضرة دمشق وغالب ما يكتب فيها من التواقيع مفتتح برسم وهذه نسخ تواقيع من ذلك‏:‏ نسخة توقيع بنظر غزة وهي‏:‏ رسم بالأمر - لا زال النصر المكرر يحلو بذكره والسعد المقرر يجلو وجوه الآمال بدهره ولا برح سراج الخدم مضيئاً عند ليالي نهيه الحالك وأمره - أن يستقر فلانٌ‏.‏

لما عرف في المناصب من نهوضه الذي راق وراج وفي المهمات من رأيه الذي يمشي أحوال الجهات المستقيمة بسراج ولما شهر له في الأنظار المتعددة من علو الهمم وفي الوظائف المترددة من العزمات التي يقول السداد‏:‏ نبه لها عمراً ثم نم ولما وصف من أمانته ودرايته وهما المراد من مثله ورآسة خلقه وخلقه المشيدين عن حسن الثناء وسهله وآثاره الحميدة المنتقلات وكيف لا وهو المنتسب إلى سلفٍ يحمد لسان الإسلام أثر عقله ونقله‏.‏

فليباشر هذه الوظيفة المباركة على العادة مباشرةً يحمد أثرها ويسند عن صحيح عزمه خبرها وخبرها ويورق بغصون الأقلام ورق حسابها ويروق ثمرها مجتهداً فهو من نسل المجتهدين في عوائد التحصين والتحصيل والتأثير والتأثيل ملياً بما يجبر كسر هذه البلاد بالصحة ويأسو جرحها بعد التعديل حريصاً على أن يحيي - بمشيئة الله تعالى وتدبيره - عملها الذي لم يبق الموت من ذمائه غير القليل سالكاً من النزاهة والصيانة طريقته المثلى ومن الكفاءة والأمانة عادته التي ترفع درجته - إن شاء الله - إلى ما هو أعلى وأغلى مسترفعاً للحساب ولقدره في الخدمة شاكراً‏:‏ فإن الشكر ضمينٌ لازدياد النعمة بعد النعمة سراجاً وهاج الذكاء على المنار ولا ظلم مع وجوده ولا ظلمة والله تعالى يعلي قدره ولا يطفيء ذكره‏.‏

توقيعٌ بصحابة ديوان الحرمين من إنشاء ابن نباتة لمن لقبه شمس الدين وهو‏:‏ رسم بالأمر - لا زالت أوامره نافذةً في الآفاق عاطفةً عطف النسق على ذوي الاستحقاق مطلعةً شمس التقى والعلم في منازل الإشراق - أن يستقر المجلس‏.‏

علماً باستحقاقه لما هو أكثر وأكبر وأوفى وأوفر وإطلاعاً لشمسه وإن اعترضها غم غيم في مطالع شرفها الأنور وإعلاماً بأنه غيمٌ يزور ويزول ونقصٌ لا يقيم إلا كما يذهب عارضٌ من أفول واعتماداً على ما عرف من وفاء صحابته وألف من سناء درايته ودرابته ووصف من أيام ديونته بعد أيام حكمه بعد أيام خطابته‏!‏ واستناداً إلى نشأته في بيت العلم المستفاد والحكم المستجاد والفضل المستزاد وتربية الوالد الذي كان الاختيار يحلف بالفخر أنه ما يرى أظهر من ذات العماد‏.‏

فليباشر صحابة ديوان هذين الحرمين الشريفين بأملٍ مبسوط وحالٍ بينما هو منحوس حظٍّ إذا هو - إن شاء الله - مغبوط واجتهادٍ مضمونٍ لجدواه فضل الزيادة وسيرٍ لا يزال بشمسه حتى تجري لمستقر لها من منازل السعادة ومباشرةٍ لأوقافها تعان وتعاد أجمل إعانةٍ وأكمل إعادة وصحابة يتنوع في نفعها ويتعين حتى تكون منه عادةً ومنها شهادة‏.‏

توقيعٌ بنظر الشعرا وبانياس من إنشاء ابن نباتة لمن لقبه صدر الدين واسمه أحمد بالعود وهو‏:‏ رسم بالأمر - لا زالت صدور الكفاة منشرحةً في أيامه منسرحة الآمال في إنعامه ولا برح عوده أحمد إلى المناصب في ظلال سيوفه وأقلامه‏.‏

ومنه‏:‏ فليباشر هذه الوظيفة الشاكرة له أولاً وآخراً وليجتهد فيما يزيده منن الاعتناء والاغتناء باطناً وظاهراً وليستزد بشكره من النعمة فما أخلف وعد المزيد شاكراً وليحرص على أن يرى أبداً في المراتب صدراً ولا يرى عن ورود الإحسان صادراً‏.‏

توقيعٌ بنظر حمص من إنشاء ابن نباتة كتب به لابن البدر ناظر حمص بالنزول من أبيه عندما أسن وهو‏:‏ رسم بالأمر - لا زال حسن النظر من مواهبه ويمن الظفر من مراكبه وسقي البلاد صوب العدل من سحائبه ولا برح سنا البدر من خدمه فإذا أحس بالسرار ألقى الخدمة إلى أزهر كواكبه - أن يستقر المجلس‏.‏

لما علم من رأيه الأسد وعزمه الأشد ومربى والده حتى يبين عظم الهناء بالشبل عندما وهن عظم الأسد وركوناً إلى نجابته التي سمت أصلاً وفرعاً وقدمت غناءً ونفعاً وتبسمت كمائم أصلها المستأنفة حيث كاد الزمان ينعى منه ينعاً واستناداً إلى أن الصناعة شابة ونسمات التمكين هابة وإلى أن أغصان العزائم نضرة وإلى أن مع القدرة قدرة وإلى أن كوكب العز في المنزلة قد خلف بدره واعتماداً على سهام تنفيذه الصائبة وأحكام هممه الواجبة وأقلام يده التي تحسن إخراج الأمل فيه وكيف لا وهي الحاسبة الكاتبة‏.‏

فليباشر هذا النظر المفوض إليه سامياً نظره زاكياً في الخدمة خبره وخبره شاكراً هذا الإنعام الذي بر أباه وأسعد جده ومزيد الإنعام مضمون المزيد لمن شكره عالماً أن هذه المملكة الحمصية من أقدم ذخائر الأيام وأكرم ما أفاء الله من غنيمتها وظلها على جند الإسلام وأنها من مراكز الرماح كما شهر فليمدها من تدبيره برماح الأقلام وليواظب بحسن نظره على تقرير أحوالها وتقريب آمالها وتأثير المصالح في أعمالها ولا يحمص أمرها في التضييق فكفى ما حمصتهاالأيام على تعاقب أحوالها بل يجتهد في إزاحة أعذارها بسداد الرأي الرابح وإشاعة الذكر الحسن مع كل غادٍ ورائح ورفع الأيدي بالأدعية الصالحة في تلك المشاهد للملك الظاهر في هذا الوقت والملك الصالح حتى يشهد سيف الله خالد بمضاء سيف حزمه وعزمه وحتى يتوفر من غرض الخير والحمد نصيب سهمه وتقوى الله تعالى أول الوصايا وآخرها فلتكن أبداً في همة فهمه‏.‏

توقيعٌ بنظر الرحبة من إنشاء ابن نباتة لمن لقبه تاج الدين وهو‏:‏ رسم بالأمر - لا زال مليء السحاب بسقيا الآمال الواردة مملوء الرحاب بكفاة الأعمال السائدة مخدوم الممالك والأيام بأقلام الدواوين الحاسبة وأقلام الدواوين الحامدة - أن يستقر‏.‏

لكفاءته التي وافق خبرها الخبر ونشر ذكرها نشر الحبر وصناعة حسابه التي لو عاش أبو القاسم المعري لم يكن له فيها قسيماً ولو عاصرها ابن الجراح بقدمه وإقدامه لانقلب عنها جريح الفكر هزيماً بل لو ناوأه الشديد الماعز لذبح بغير سكين والتاج الطويل لرجع عن هذا التاج الطائل رجوع المسكين‏.‏

فليباشر ما فوض من هذه الوظيفة إليه ونبه الاختبار فيها نظره الجميل وناظريه جارياً على عوائد هممه الوثيقة ماشياً على أنجح طريق من آرائه وأوضح طريقة نازلاً منزلة العين من هذه الجهة التي لو صورت بشراً لكان ناظرها على الحقيقة مفرجاً لمضايقها حتى تكون كما يقال رحبة مقتحماً من حزون أحوالها العقبة وما أدراك ما العقبة فك من رقاب السفار المعوقين رقبة وأطعم أرباب الاستحقاقات في يومٍ ذي مسغبة وساعف بتيسير المعلوم كل كاتبٍ ذي متربة حريصاً على أن يغني الديوان بوفره وتغني حداة التجار بشكره وعلى أن يقوم رجال الاستخدام في المهمات بنصره وعلى أن تساق بفضي قلمه الأموال أحسن سوق وعلى أن يكون لأهل الرحبة من إحسانه مالكٌ ومن جدوى تدبيره طوق والله تعالى يوضح في المصالح منهاجه ويعلي على رؤوس الأوصاف تاجه‏.‏

توقيعٌ بنظر جعبر قبل أن تنقل إلى عمل حلب من إنشاء ابن نباتة كتب به لهبة الله بن النفيس وهو‏:‏ رسم بالأمر - لا زالت المناصب في دولته الشريفة تستقبل هبة الله بشكرها ونتائج الذكر النفيس بمقدمات نشرها وبشرها - أن يرتب‏.‏

لكفاءته التي اشتهرت وأمانته التي طهرت فظهرت ومباشرته التي ضاهت نجوم السماء إذا زهرت ونجوم الأرض إذا أزهرت وأنه الذي جرب عزمه فزكا على التجريب ورقي في مطالع التدريج والتدريب ونص حديث اجتهاده المقرب فكان سابقاً على النص والتقريب وأن هذه البقعة المباركة ممن أطاب التاريخ خبرها وقص سيرها وحمد صاحبها العقيلي من قديمٍ أثرها وعرف بركتها لما استسقى بها من السماء على لسان بعض الحيوان مطرها‏.‏

فليباشر هذا الثغر المحروس بكفاءة باسمة وعزمةٍ كالحسام لأدواء الأمور حاسمة ورأيٍ للنجاح حسن الاستصحاب وتثميرٍ كما ملأ الرحبة فليملأ بمضاعفته الرحاب موفراً العدد للحواصل وحواصل العداد فاتحاً لأفواه القفول بذكره الجميل في التهائم والنجاد ماشياً فيما يأتي ويذر على سداد الطرق وطرق السداد‏.‏

توقيعٌ بنظر البقاع من إنشاء ابن نباتة وهو‏:‏ رسم بالأمر - لا زال يهنيء للكفاة رزقاً ويهيء لتجديد المناصب مستحقاً ولا برحت البقاع بأيامه الكريمة تسعد كما تسعد الرجال ولا تشقى - أن يرتب‏.‏

حسب ما تضمنته مكاتبة الجناب الفلاني‏:‏ منبهاً على قدر هذا الناظر المهذب وصفه المرتب على نحو الثناء نعته وعطفه المشهور بمباشرته انتفاع الوظائف وارتفاعها الشاهد بكفاءته وأمانته مسالك الأعمال وبقاعها واعتماداً على مباشرته الزكية وكتابته التي لا يداهنها المداهنون وهي نعم البعلبكية‏.‏

فليباشر هذه الوظيفة المتيمنة بمطالع رشده ومطالب سدده عالماً أن البقاع كالرجال تسعد وتشقى‏:‏ فليكن سعدها على قلمه ويده مجتهداً فيما يبيض وجه شاكره حريصاً على ازدياد الصفات التي كانت في عقد حساب العمل محل بنانه فجعلته الآن محل ناظره مثمراً لأموال النواحي وغلالها واضعاً عن أرباب الاستحقاقات ما عليها من سوء التدبير‏:‏ من إصرها وأغلالها محتاطاً لنفسه في الحوطات حتى لا يذكر إلا بخير ولا يعرف قلمه إلا بمير ناثراً حب حبه حتى تهوي إليه ألفاظ الثناء هوي الطير جاعلاً تقوى الله مقصده‏:‏ فإنها السبيل إلى فوز الدارين لاغير‏.‏

  الصنف الرابع مما يكتب لأرباب الوظائف بالشام تواقيع مشايخ الخوانق

وهي على ضربين

 الضرب الأول ما هو بحاضرة دمشق المرتبة الأولى ما يفتتح بالحمد لله وهو توقيع شيخ الشيوخ بدمشق‏:‏ وهي مشيخة الخانقاه الصلاحية المعروفة بالشميصاتية وقد تقدم أنها يكتب بها أيضاً من الأبواب السلطانية‏.‏

ثم هي تفرد تارةً عن كتابة السر بالشام وتارة تضاف إليها‏.‏

توقيعٌ بمشيخة الشيوخ بالشام من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة كتب به للشيخ علاء الدين علي مفردة عن كتابة السر وهو‏:‏ الحمد لله الذي جعل شرف أوليائه علياً وفضله الجليل جلياً واتصال علائهم كاتصال كوكب الشرف بإيلاء الخيرات ملياً وحاضر أفقهم كغائبه إذا سطرت دعواته واستمطرت هباته كان على كلا الحالين ولياً‏.‏

نحمده على توالي النعم الأنيقة ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تستمر بأصلها فروع الحقيقة ونشهد أن محمداً عبده ورسوله أجدر الخلق بكرم الخليقة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين سلكوا بهداه أحسن طريق وسلكوا في أحسن طريقة صلاةً دائمةً لا تزال بهاعقائد الإخلاص موثقة وألسنة الذكر طليقة وتحيةً إذا بدت في حضرة الإدكار كانت للأعين من النور نهاره وكانت للأنجم من القدر شقيقه‏.‏

أما بعد فإن أولى المراتب الدينية بتقديم العناية وتفخيم الرعاية وتكريم التولية ولاسيما إذا كانت منتسبة إلى أهل الولاية - مرتبة مشيخة الشيوخ التي يجمع عباد الله الصالحين نطاقها ويضمهم رواقها وتطلعهم مطالع كواكب الهدى آفاقها المنيرة وأوفاقها‏.‏

ولما خلت الآن هذه الرتبة بالشام المحروس من شيخ تدور هذه الطائفة على قطبه وتجتمع على مائدة قرباته وقربه وتمشي على قدمه وتناجي صلاح أحوالها عن قلبه - تعين أن نختار لها من كملت بالله أداته وصفت في مشاهد الحق ذاته وزكت في علمي الإبانة والأمانة شهادته المفصحة ومشاهداته وأجمع الناس على فوائد تسليكه واسلاك قلمه حيث بدت في وجوه الحسن حسناته ووجوه الشام شاماته لما شهر من معرفته وعرفانه ولما دعي له ببقاء نوح لما فاض في العلم من طوفانه ولما قام في الأذهان من طبقة قدره الموصوف ولما سار من رسالة أخباره فإذا قالت الآثار‏:‏ هذا السري قال الإيثار‏:‏ وفضله معروف‏.‏

فليباشر هذه المشيخة المباركة بصدرٍ للسالكين رحيب وبر للسائلين مجيب وفضلٍ يقول الرائد والمريد بدار إقامته‏:‏ قفا نبك من ذكر منزلٍ وحبيب وبشر وبشر يملآن عين المجتلي ويد المجتدي وعطفٍ ولطفٍ إذا قال الذاكر لمن مضى‏:‏ راح مالكي‏!‏ قال المعاين‏:‏ وجاء سيدي وليراع أمور الخوانق الشامية ما غاب منها وما حضر وما سمع منها وما نظر وليهذب قلوب ساكنيها حتى يعود كإخوان الصفاء من المودة قومٌ كانوا إخوان الصفا من الحجر قائماً بحقوق الرتبة قيام مثله من أئمة العلم والعمل داعياً لهذه الدولة العادلة فإنه أقصى دواعي الأمل معرباً - لأن العربية من علومه - عن الإيضاح غنياً عن تفصيل الجمل وهو المسلك فما يحتاج لتسليك درر الوصايا المخبوء لمثل هذه الزوايا المبرورة‏:‏ فنعم الزوايا المحبوة بنعم الخبايا والله تعالى يعيد على الأمة بركاته ويمتعهم باستسقاء الغيوث‏:‏ إما ببسطها عند بره وإما ببسطها عند دعواته‏.‏

وهذه نسخة توقيع بمشيخة الشيوخ بالشام أيضاً مضافةً إلى كتابة السر به كتب بها للقاضي ناصر الدين محمد بن أبي الطيب كتب السر بالشام بالمقر الشريف وهي‏:‏ الحمد لله الذي شرح صدور أوليائه بمعرفة الحق واتباعه وجعلهم خواصه الذين غدوا من أتباع الحبيب وأشياعه ورفع ذكرهم على رؤوس الأشهاد وآواهم إلى مقام الأنس في محل القرب بالتسليك المحمدي الذي أوصل إليه مزيده بانقطاعه وخصهم ببركات من حضهم على الأعمال الصالحة بقصده الجميل وعلمه الغزير واتضاعه ومنحهم بمن أوضح لهم الطريق المستقيم بإبدائه الحق وإبدار إبداعه وغذاهم بالحكمة فنشأوا بالمعرفة وصار لهم العقل السليم بالتحفظ من الأهوية الردية فسلمت لهم الطيبة على قانون الصحة بحسن تركيبه وأوضاعه وأفاض عليهم من بحر علمه ما نالوا به الرشد فصاروا أولياء بملازمة أوراده ومتابعة أوزاعه‏.‏

نحمده على ما ألهمنا من وضع الشيء في محله وإيصال الحق إلى أهله وإجابة سؤال الفقراء وإعانتهم بمن أغناهم عن السؤال بفضائله وفضله حمداً يعيد كشاف الكرب على مريديه وطلبته ويرفع مقام من قام بشعار الدين بتعظيم قدره وعلو درجته ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي من تقرب منه ذراعاً تقرب منه باعاً ومن أتاه يمشي أتاه هرولة وإذا تقرب إليه عبده بالنوافل أحبه ‏"‏ وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقةٍ إلا يعلمها ولا حبة ‏"‏ ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الذي أضاءت الأكوان من نور هديه فاهتدت به أصحاب المعارف المسلمون لموجدهم الأمر والإرادة ومن هو روح الوجود الذي أحيا كل موجود وسلك طريق سنته الموصلة إلى عالم الغيب والشهادة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين صفت قلوبهم من الأكدار وإلى التقوى سبقوا وصدقوا في المحبة فاستحقوا ثناء مولاهم‏:‏ ‏"‏ من المؤمنين رجالٌ صدقوا ‏"‏ فمنهم من شمت من فيه رائحة كبدٍ مشوية من خشية الله ومنهم من حدث بما شاهده ببصره وبصيرته على البعد ورآه ومنهم من أحيا ليله واستحيت منه ملائكة السماء ومنهم من اتخذه أخاً إذ هو باب مدينة العلم وركن العلماء صلاةً دائمةً تطيب أوقات المحبين وتطرب بسماعها قلوب المتقين أهل اليقين وسلم تسليماً‏.‏

أما بعد فإن أولى من قدمناه إلى أهل الصلاح ورفعناه إلى محل القرب وروح الأرواح وحكماه على أهل الخير ومكناه في حزب الله الذي غلب لما اجتهدوا على إخراج حزب الشيطان من قلوبهم وزحفوا على قراره بجيش التقوى وسمتهم الزهد وحسن السير ووليناه أجل المناصب الذي تجتمع فيه قلوب الأولياء على الطاعة وأحللناه أرفع المراتب الذي خطبه منهم خيار الجمع لجلوة عروس الجمال في الخلوة بعقد ميثاق سنة المحبة وشهادة قلوب الجماعة - من جمله صورةً ومعنى وافتخر به أحاد ومثنى وباشره على أحسن الوجوه وبلغ كلاً من مريديه وطلبته من فضائله وفضله ما يؤمله ويرجوه ومد موائد علومه المحتوية على أنواع الفضائل المغذية للقلوب وجلس في حلل الرضا فكسا القوم الذين لا يشقى بهم الجليس ملابس التقوى المطهرة من العيوب وظهر في محفلهم للهداية كالبدر وهم حوله هالة وكان دليلهم إلى الحق فغدوا بتسليكه من مشايخ الرسالة وجاهد في بيان معاني القرآن العظيم حتى قيل لما فسره‏:‏ هذا مجاهد واستدل على تنزيه من تكلم به - سبحانه - عن التشبيه والتعليل وفي كل شيءٍ له آيةٌ تدل على أنه واحد ونقل الحديث المحمدي الذي هو موطأ لتفهيم الغريب منه وميز صحيحه لكل مسلمٍ فأطرب بسماعه الوفود وأفاد العباد تنبيه الغافلين فقاموا في الخدمة فأصبحوا تعرفهم بسيماهم‏:‏ ‏"‏ سيماهم في وجوههم من أثر السجود ‏"‏ وخفض جناحه الذي عبر به الشعرى العبور وكان فلانٌ - أعاد الله تعالى من بركاته وأسبغ ظلاله - هو الذي أقامه الله تعالى لهذه الطائفة المباركة مرةً بعد مرة وذكرت صفاته الجميلة فكان مثله للعيون قرة واتصف بهذه الصفات التي ملأت الأفواه والمسامع كما ملأت مرءآته المقل وحصل البشر بمعروفه الذي تتبعه السري أبو يزيد فجرى على عادة القوم الكرام ووصل ونبعت عناصر فضائله فكانت شراب الذين صفت قلوبهم من كدرها وأمطرت سحائب علومه الإلهية الدارة من سماء الحقيقة فسالت أوديةٌ بقدرها وظهرت لمعة أنوار شمس معارفه عند التجلي على المريد وساق نفوس القائمين لما عز مطلبهم بأصله الذي شرح طلاسم قلب الفاني بذكر الباقي فغرقوا في بحار المحبة ‏"‏ وجاءت كل نفسٍ معها سائقٌ وشهيد ‏"‏‏.‏

فلذلك رسم بالأمر العالي - لا زال يرفع أهل العلم والعمل إلى أعلى مقام ويبني لهم في جنات القرب قصور الرضا‏:‏ ‏"‏ لهم ما يشاءون فيها ‏"‏ ومزيدهم الإكرام - أن تفوض إليه مشيخة الشيوخ بالشام المحروس‏:‏ وظيفته التي خرجت عنه المرسوم الآن إعادتها عليه عوضاً عمن كانت بيده بمعلومي النظر والمشيخة الشاهد بهما ديوان الوقف المبرور إلى آخر وقت على أجمل العوائد وأكمل القواعد تفويضاً نظمت بالقبول عقوده ودامت في دار السعادة سعوده وفي درج المعالي صعوده‏.‏

فليتلق ذلك بالقبول وليبلغ الفقراء من إقباله الجم الذي ألجم عدوه المنى والسول وليعامل المريدين بالشفقة المعروفة من رحمة دينه وإفضاله وليشمل كلاً منهم بعنايته ولطفه فإن الخلق عيال الله وأحبهم إليه أشفقهم على عياله وليأمرهم بملازمة إقامة الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل وإذا مالوا - والعياء بالله تعالى - يوماً إلى منافسةٍ بينهم فليقل‏:‏ اتقوا الله مااستطعتم وكونوا عباد الله إخواناً ولا تميلوا كل الميل وليفسح لهم حرم الخير الذي وقفوا فيه تجاه قصر تعبده الذي علا بالجوهر الفرد وقوة الإخلاص وليدخلهم منه جنة إقبال فوائده التي فيها من أبكار معانيه حورٌ مقصوراتٌ في خيام أداته لم يطمثهن إنسٌ قبلهم ولا جانٌّ وأعجز قصره العالي وجوهره الغالي كل بناءٍ وغواص وليجعلهم له على جبل اعتماده ومروة مروءته إخوان الصاف وليقمهم في ركن مقام المناجاة إذا زمزم مطرب حيهم تلقاء أهل الوفا وليقدم السابقين بمعرفة حقهم ونجدتهم بالورع الذي يغلبون به الشيطان فإن حزب الله هم الغالبون وليداو قلوبهم المرضى بشراب المحبة وتركيب أدوية الامتلاء من الدنيا ليغتذوا وقت السحر بحديث هل من تائب ولا يسقهم كاساتٍ تضعف عنها قوتهم حتى ينقوا من بردة الهوى المضرة ويغتسلوا بحار مجاري دموع الخشوع ويلبسوا جديد ملابس التقى ويغدوا من الحبائب‏.‏

ومنه تعرف الوصايا وعنه تنقل المزايا وكرم الأخلاق والسجايا وليأمر السالكين بمداومة الأعمال التي قامت بحسن العقائد واستقلت وليحض المريدين أوائل التسليك على ذلك فإن أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قلت وليعرفهم المحبة بذكر الله لئلا يقوموا على قدم الهيام وليبين لهم المعنى إذا لم يعرفوا المعنى ليقطعوا الهواجر في طلب الصيام وليفرق بين الواردات بملازمة الأوراد لئلا يقعوا من الاشتباه في حيرة وليأمرهم بادخار العمل الصالح لتكون التقوى لقلوبهم قوتاً والزهد ميرة وليقمع أهل البدع وليرفع من اتضع وليتفقد أحوال أوقافهم بجميع الخوانق والربط والزوايا بالجميل من النظر وليزد في الأجور بما يؤثر فيها نظره الذي ما زال لهم منه أوفر نصيبٍ فحبذا العين والأثر والوصايا وإن كثرت فهو مفيدها وعنده منبعها وتقوى الله الذي هو شيخها ومريدها في بيته المبارك حلاوة ذوقها ومجمعها والله تعالى يكلؤه في الليل والنهار بآياته البينات ويرفعه بها ويرقيه إلى أعلى الدرجات‏.‏

المرتبة الثانية من تواقيع مشايخ الأمكنة بحاضرة دمشق ما يفتتح بأما بعد حمد الله وفيها وظائف نسخة توقيع بمشيخة إقراء القرآن من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة كتب به للشيخ شهاب الدين أحمد بن النقيب بالمجلس العالي وهي‏:‏ أما بعد حمد الله رافع شهب الهدى أعلاماً وجاعل رتب أفضلها أعلى ما ومحل أحمدها من مدارس الآيات منازل بدرٍ إذا محا المحاق من هذا اسماً أثبت من سمو هذا قمراً تماماً ومسكنه من مواطن الذكر جنات قومٍ بارتقائهم وبقاء ذكرهم خالدين فيها حسنت مستقراً ومقاماً والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ أرفع من اتخذ القرآن إماماً وأنفع من عقد استحقاق النبوة على حمده خنصراً وجلا الحق بهداه إبهاماً وعلى آله وصحبه أمنع من لبس بسرد الآيات درعاً واقتسم من بركتها سهاماً - فإن وظيفةً يكون القرآن الكريم ربيع فصلها وفضلها ورتبةً يكون الذكر الحكيم مداوي قلوب جفلها ومشيخةً يكون مريد الآيات البينات وارد زوايا أهلها - لأحق أن تتخير لها الأكفاء من ذوي الفضل الأثير والأدلاء على أشرف نتاج الهداية من ذوي الحلم الساكن والعزم المثير‏.‏

ولما كانت مشيخة إقراء القرآن بالتربة المعروفة بأم الصالح بدمشق المحروسة هي كما يقال‏:‏ أم العلم وأبوه وأخوه وحموه وصاحبته وأهل الخلوات والآيات من بركته وتلاوته بالشمس وضحاها والقمر إذا تلاها وكان فلانٌ هو الذخيرة المخبوءة لهذا الأمر وذو السيرة المحبوة بهذا الشرف الغمر وصاحب القراءة والبيان الذي لا يعوز زمان طلبته أبو عمر ولا أبو عمرو والجامع لعلوم كتاب الله تعالى جمع سلامةٍ في فنه وصحةٍ في شرف ذهنه وجواز أمرٍ يشهد أن البحر يخرج لدى المشكلات من صدره ويدخل عند عقد الحبا في ردنه والقاريء الذي إذا قال مبيناً قال الذي عنده علم الكتاب والتالي الذي إذا قصر أو مد مد إلى سموات العلى بأسبب والمشير إلى علمه المرسوم بمصحفه فلا عدم إشارته ومرسومه أولو الألباب والمجلي وإن سماه العرف تالياً والمنقب عن غوامض التفسير‏:‏ وابن النقيب أولى بسند التفسير عالياً والإمام السني وإن سماه الشرع الإمام الحاكم دهراً وأقام له في أفق كل فضل داعياً والسامي الذي يسلك بفخره على العراقي أوضح محجة والعربي الذي ما للفارسي دخولٌ في باب تيقنه وإن جاء بحجة وذو الروايات المروية سحائبه وخلف العلماء الأبيض فما خلفٌ الأحمر مما يقاربه ولا ثعلبٌ مما تضج لديه ثعالبه ولا ابن خروفٍ مما يدانيه وهو الليث ومن الأقلام مخالبه وبقية السادة القراء المنشد قول الحماسي‏:‏ وإني من القوم الذين هم هم إذا مات منهم سيدٌ قام صاحبه‏!‏ بدور سماءٍ كلما غاب كوكبٌ بدا كوكبٌ تأوي إليه كواكبه‏!‏ تعين أن يخطب لهذه المشيخة خطبة الفتى لاقتبال مجده والشيخ لتوقيره ويطلب لهذه الرتبة طلباً يقضي الأمل فيه بعنوان تيسيره‏.‏

فرسم بالأمر الشريف أن يستقر‏.‏

وضعاً للأشياء في محلها ورفعاً لأقدار الأفاضل إلى أعلى رتب الفضل وأجلها وعلماً بمقدار هذا العالم السابق في أفق الهدى شهاباً المدفق على رياض العلم سحاباً الناقل إلى مجالس الاشتغال خطاً يقول لها المؤمن بالإكرام والكافر بالإرغام‏:‏ ‏"‏ يا ليتني كنت تراباً ‏"‏‏.‏

فليباشر هذه الوظيفة مباشرة مثله من ذوي الأناة والإفادة وكفاة المناصب الذين على سعيهم الحسنى وعلى الدولة تصل الزيادة وليسلك في الأشغال عادة نطقه الأحسن وليعامل طلبته في المباحث بغير ما ألفوا من الخلق الأخشن وليعلم أنه قد جمع بين بره وتربة الأم كي تقر عينها ولا تحزن فليسرها بنبله وليبرها بفضله وليوفر السعي إليها كل وقت في المسير وليفسر أحلام أملها فيه فمن مفردات علومه التفسير وليحسن لتلامذته الجمع وليحم حمى رواياتهم من الخطإ ولا عجب أن يحمى حمى السبع‏!‏ تالياً كلام ربه كما أنزل وحسبه داعياً بنسب قراءته إلى ابن كعبٍ فحبذا نسبه المبارك وكعبه ناصباً بمنظر شخصه أشخاص أمثاله الأول بعد ما ضمهم صفيح اللحد وتربه حتى يميس الكسائي في برد مسرته الفاخر ويفتح عيون حمزة على زهرات روضٍ عبق المباخر ويترنم ورشان ورشٍ في الأوراق على بحره الزاخر ويظهر بفضله ذكر الشاطبي فيكون القاضي الفاضل رحمه الله قد أظهره في الزمن الأول والقاضي الفاضل أجله الله قد أظهره في الزمن الآخر وتقوى الله تعالى كما علم ختام الوصايا البيض فليتناول مسكها الذي هو بشذا المسك ساخر والله تعالى ينفع بعلوم صدره الذي ما ضاق عن السؤال فمله ويمتع المرتبة الثالثة من تواقيع مشايخ الأماكن بحاضرة دمشق ما يفتتح برسم بالأمر توقيعٌ بمشيخة الجواليقية من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة وهو‏:‏ رسم بالأمر - لا زال حسن اعتقاده يستنزل النصر فينصر ويستبصر مطالع الفوز فيبصر ويستجلب الأدعية الصالحة من كل زاهدٍ إذا حام في أفق العبادة حلق وما قصر - أن يستقر‏.‏

حملاً على الوصية التامة الحكم والأساس وعلماً بأنه ممن حل في مشيخته لباس بلاس ونزع في الزهد عما عد زينةً في الناس وسرح شعره حقيقة التسريح فأطلقه ومحا رق سواده وبياضه فأعتقه ولازم طريق مشايخه فما وشكر الحال فجعل في منبت كل شعرةٍ لساناً للشكر وفماً وسر طائفةً وردوا على آثاره مناهل الوفا وصفت قلوبهم ووجوههم فدارت عليهم كؤوس إخوان الصفا حتى مشوا إلى مطالب الخير مشي الرخاخ وفاخروا أقواماً دنسوا عزة رتبتهم فلولا أدبهم لأنشدوهم‏:‏ عقول مردٍ ولحى أشياخ‏.‏

فليقم في مشيخته قياماً يحيي القوم بأنفاسه ويبهجهم بكرامة الكشف من قلبه وتكريم الكشف من راسه سالكاً بهم في طرائق الخير مستبشرين آمراً بتقصير الملابس ورعاً حتى يدخل بهم إلى النسك محلقين ومقصرين والله تعالى ينفع به ويغني حاله بمذهب مذهبه‏.‏

 

الضرب الثاني من تواقيع مشيخة الأماكن

ما هو بأعمال دمشق وفيه مرتبة واحدة وهي الافتتاح برسم نسخة توقيع بمشيخة الحرم الخليلي من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة كتب به للشيخ شمس الدين بن البرهان الجعبري بالمجلس وهي‏:‏ رسم بالأمر الشريف - أعلاه الله تعالى وبسط عدله الذي لا يبلغه الواصف ولو تغالى وسرى لأولياء بني الأولياء ببره الذي تسنن بسنة الغيث ثم توالى - أن يستقر‏.‏

- أدام الله تعالى ببركته الانتفاع وباقتداء سلفه الارتفاع وأعاد من بركات بيته الذي قام البرهان بفضله وقال بوضوح شمسه الإجماع - في مشيخة حرم سيدنا الخليل صلوات الله عليه وسلامه على عادته القديمة المقدمة ومستقر قاعدته المعلومة المعلمة بعد إبطال ما كتب به لغيره فإن هذا الولي أولى ولأن الحق معه وباع الحق أطول على المعنيين إطالةً وطولاً وضعاً للشيء في محله الفاخر وحملاً على ما بيده من تواقيع شريفة توارث بركتها ملوك البسيطة في الأول والآخر وعلماً أنه بقية العلم المشيد والزهد العتيد وخليفة السلف الصالح وما منهم إلا من هو أمين العزم رشيد وأنه الشيخ وكل من عرفه في بقائه ولقائه مريد والقائم بالمقام الخليلي - صلوات الله تعالى على ساكنه - مقاماً مجتبى والمنتسب إلى خدمة الحرم الإبراهيمي مخدوماً صلى الله عليه ونسباً والقديم الهجرة فلا تتركه الأوطان ولا تهجره والمقيم بالبلد الخليلي على إقامة الخير‏:‏ فما ضره أن العدو يشكوه إذا كان الخليل يشكره وقد سبقت له مباشراتٌ في هذا الحرم الشريف فكان عزمها تماماً وشكرها لزاماًن وكانت على الصادرين كتلك النار النبوية برداً وسلاماً‏.‏

فليعد إلى مباشرة وظائفه المذكورة في التواقيع الشريفة التي بيده وليكن يومه في الفضل زائداً على أمسه مقصراً عن غده بثناء يتلقى أضياف أبي الأضياف بأليف أحوال الداخلين إليه شتاءً وصيفاً وإن لم تكن رحلة إيلاف جارياً في بركة التدبير والتثمير على عادته وعادة سلفه فنعم الخلف ونعم الأسلاف مواظباً على عادة تقواه ورفع الأدعية لهذه الدولة الشريفة جاعلاً ذلك منه أول وآخر كل وظيفة والله تعالى ينفع ببركات سلفه وبه ويكافيء عن الأضياف بسط راحته بالخيرات وفضل تعبه‏.‏

توقيعٌ بمشيخة الزاوية الأمينية بالقدس ونظرها كتب به للقاضي برهان الدين بن الموصلي بالجناب العالي وهو‏:‏ رسم‏.‏

- لا زال يجري الأولياء في مقاصدهم على أجمل عادة ويختار منهم لمواطن الخير من يرعاها بنظرٍ يثمر لها السعادة - أن يحمل فلانٌ في وظيفتي النظر والمشيخة بالزاوية الأمينية بالقدس الشريف على حكم النزول والتقرير الشرعيين المستمر حكمهما إلى آخر وقت واستمراره في الوظيفتين المذكورتين بمقتضاهما ومنع المنازع بغير حكم الشرع الشريف‏.‏

فليباشر ذلك بما يقتدى به من تسليكه وتأديبه وتسرع رغبته في هذا المقام ومن عناية تهذيبه والوصايا كثيرةٌ ولكن لا تقال لمثله إذ هو معلمها وتقوى الله سبحانه أهمها وأعظمها والله تعالى المسؤول أن يرشدنا إليها وأن يجعل في كل الأمور اعتمادنا عليها بمنه وكرمه‏!‏‏.‏

 

الصنف الخامس مما يكتب لأرباب الوظائف بالشام

تواقيع العربان والذي وقفت عليه من ذلك مرسومٌ مكتتب بربع تقدمة بني مهدي بالمجلس السامي بغير ياء كتب به لموسى بن حناس مفتتحاً بأما بعد وهو‏:‏ أما بعد حمد الله تعالى الذي جمع على الطاعة الشريفة كل قبيلة وبسط على ذوي الإخلاص ظلال نعمه الظليلة والشهادة بأنه الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له شهادة أتخذها للتوحيد دليله والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ ورسوله الذي اتخذه الله تعالى حبيبه وخليله وآتاه الدرجة الرفيعة والوسيلة وعلى آله وصحبه صلاةً مباركةً أصيلة - فإن الأولى لتزكية القوم ترعى وذا الإخلاص ينجح له كل مسعى والجدير بالنعم من يجب بالطاعة حين يدعى من سلك في الخدمة الشريفة مسلك الأسلاف وتجنب ما يفضي إلى الشقاق والخلاف فعند ذلك رفعنا مراتبه وضاعفنا مواهبه وأنرنا بالإقبال الشريف كواكبه وأجملنا مكاسبه وبسطنا في ربع تقدمة بني مهدي كلامه ونفذنا أمره على طائفته‏:‏ قوله وإبرامه من أضحى مشكوراً من كل جانب مجتهداً في المصالح وبلوغ المآرب من عرف بالأمانة فسلكها واشتهر بالصيانة فملكها وحاز أوصافاً حسنة وسيرةً نطقت بها الألسنة وكان فلانٌ هو الذي أضحى على عربانه مقدماً ومن أكابرهم معظماً‏.‏

فلذلك رسم بالأمر الشريف - لا زالت مراسمه الشريفة عاليةً نافذة وأوامره بصلة الأرزاق عائدة - أن يستقر‏.‏

على عادته وقاعدته‏:‏ حملاً على ما بيده من التوقيع الكريم‏.‏

فليباشر هذه الإمرة مع شركائه مباشرةً حسنة وليسر فيها سيراً تشكره عليه الألسنة وليظهر السداد وليبذل الطاعة والاجتهاد وليسلك المسالك الحسنة والله تعالى يجعله من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه والوصايا كثيرةٌ وملاكها تقوى الله تعالى والله تعالى يجعل إحساننا إليه يتوالى‏.‏

قلت‏:‏ وقد تقدم أنه يكتب بإمرة بني مهدي من الأبواب السلطانية أيضاً‏.‏

على أن هذا التوقيع من التواقيع الملفقة ليس فيه مطابقة للتواقيع وليس برائق اللفظ ولا مونق المعنى‏.‏

 

الصنف السادس مما يكتب لأرباب الوظائف بالشام من اليهود والنصارى

وهذه نسخة توقيعٍ لبطرك النصارى مفتتحاً بأما بعد كتب به للبطرك ميخائيل وهي‏:‏ أما بعد حمد الله الذي جعلنا نشمل كل طائفةٍ بمزيد الإحسان ونفيض من دولتنا الشريفة على كل بلدٍ اطمئناناً لكل ملةٍ وأمان ونقر عليهم من اختاروه ونراعيهم بمزايا الفضل والامتنان والشهادة بأنه الله الذي لا إله إلا هو الواحد الذي ليس في وحدانيته قولان والفرد المنزه عن الجوهر والأقنوم والوالد والولد والحلول والحدثان شهادةً أظهر إقرارها اللسان وعملت بها الجوارح والأركان والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ عبده ورسوله المبعوث إلى كافة الملل والإنس والجان الذي بشر به عيسى وآمن به موسى وأنزل عموم رسالته في التوراة والإنجيل والزبور والفرقان فصح النقل بنبوته وآدم في الماء والطين وأوضح ذلك البرهان وعلى آله وصحبه الذين سادوا بإخلاص الوحدانية وشادوا أركان الملة المحمدية وأعزوا الإيمان وأذلوا الطغيان صلاةً ينفح طيبها ويفصح خطيبها ويفرح بها الرحمن - فإن أولى من أقمناه بطريكاً على طائفة النصارى الملكية على ما يقتضيه دين النصرانية والملة العيسوية حاكماً لهم في أمورهم مفصحاً عما كمن في صدورهم - من هو أهلٌ لهذه البطريكية وعارف بالملة المسيحية أخذه لها أهل طائفته لما يعلمون من خبرته ومعرفته وكفايته ودربته وندب إلى ولايةٍ يستحقها على أبناء جنسه ورغب في سلوكه لها مع إطابة نفسه مع ماله من معرفةٍ سرت أخبارها وظهرت بين النصارى آثارها وكان فلانٌ - أدام الله تعالى بهجته - هو من النصارى الملكية بالمعرفة مذكور ومسيره بينهم مشكور القائم فيهم بالسيرة الحسنة والسالك في مذاهبهم سيراً تشكره عليها الألسنة‏.‏

فلذلك رسم بالأمر الشريف - لا زال إحسانه العميم لكل طائفةٍ شاملاً وبره الجسيم لسائر الملك بالفضل متواصلاً - أن يستقر بطركاً على الناصرى المليكة بالشام وأعماله على عادة من تقدمه في ذلك وتقوية يده على أهل ملته من تقادم السنين بحكم رضاهم ومنع من يعارضه في ذلك‏:‏ حملاً على ما بيده من التوقيع الكريم المستمر حكمه إلى آخر وقت‏.‏

فليباشر هذه البطركية مباشرةً محمودة العواقب مشكورةً لما تحلت به من جميل المناقب وليحكم بينهم بمقتضى مذهبه وليسر فيهم سيراً جميلاً ليحصل لهم غاية قصده ومأربه ولينظر في أحوالهم بالرحمة وليعمل في تعلقاتهم بصدق القصد والهمة وليسلك الطريق الواضحة الجلية وليتخلق بالأخلاق المرضية وليفصل بينهم بحكم مذهبه في موارثهم وأنكحتهم وليعتمد الزهد في أموالهم وأمتعتهم حتى يكون كل كبيرً وصغير ممتثلاً لأمره واقفاً عندما يقدم به إليه في سره وجهره منتصبين لإقامة حرمته وتنفيذ أمره وكلمته وليحسن النظر فيمن عنده من الرهبان وليرفق بذوي الحاجات والضعفاء‏:‏ من النساء والصبيان والأساقفة والمطارنة والقسيسين زيادةً للإحسان إحساناً جارياً في المساء والصباح والغدو والرواح‏.‏

فليمتثلوا أمره بالطاعة والإذعان وليجيبوا نهيه من غير خلاف ولا توان ولا يمكن النصارى في الكنائس من دق الناقسو ورفع أصواتهم بالضجيج ولا سيما عند أوقات الأذان لإقامة الناموس وليتقدم إلى جميع النصارى بأن كلاً منهم يلزم زيه وما جاءت به الشروط العمرية لتكون أحوالهم في جميع البلاد مرعية وليخش عالم الخفيات وليستعمل الأناة والصبر في جميع الحالات والوصايا كثيرةٌ وهو بها عارف والله تعالى يلهمه الرشد والمعارف‏.‏

قلت‏:‏ وهذا التوقيع فيه ألفاظٌ ومعانٍ غير مستحسنةٍ وألفاظٌ ومعانٍ منكرةٌ أفحشها قوله‏:‏ مفصحاً عما كمن في صدورهم‏.‏

فإنه لا يعلم ما تخفي الصدور وتكنه إلا الله تعالى‏.‏

واعلم أنه ربما افتتح توقيع البطريرك عندهم برسم بالأمر‏.‏

توقيع لبطرك النصارى بالشام أيضاً كتب به للبطريرك داود الخوري بالبطرك المحتشم وهو‏:‏ رسم بالأمر - لا زال يعز بالالتجاء إلى حرمه من يأوي إليه ويقصد عدله من أهل الملل ويعتمد عليه - أن يستقر فلانٌ - وفقه الله تعالى - بطريرك الملكية بالمملكة الشريفة الشامية المحروسة حسب ما اختاره أهل ملته المقيمون بالشام المحروس ورغبوا فيه وكتبوا خطوطهم به وسألوا تقريره في ذلك دون غيره إذ هو كبير أهل ملته والحاكم عليهم ما امتد في مدته وإليه مرجعهم في التحريم والتحليل وفي الحكم بينهم بما أنزل الله تعالى في التوراة ولم ينسخ في الإنجيل وشرعته مبنية على المسامحة والاحتمال والصبر على الأذى وعدم الاكتراث به والاحتفال‏.‏

فخذ نفسك في الأول بهذه الآداب واعلم بأن لك في المدخل إلى شريعتك طريقاً إلى الباب فتخلق من الأخلاق بكل جميل ولا تستكثر من متاع الدنيا فإنه قليل وقدم المصالحة بين المتحاكمين إليك قبل الفصل البت فإن الصلح كما قيل‏:‏ سيد الأحكام وهو قاعدة دينك المسيحي ولم تخالف فيه المحمدية الغراء دين الإسلام ونظف صدور إخوانك من الغل ولا تقنع بما ينظفه ماء المعمودية من الأجسام وإليك الأمر في البيع وأنت رأس جماعتك والكل لك تبع فإياك أن تتخذها لك تجارةً مربحة أو تقتطع بها مال نصراني تقربه فإنه ما يكون قد قربه إلى المذبح وإنما ذبحه وكذلك الديارات والقلالي يتعين عليه أن يتفقد فيها كل أمر في الأيام والليالي وليجتهد في إجراء أمورها على ما فيه رفع الشبهات وليعلم أنهم إنما اعتزلوا فيها للتعبد فلا يدعها تتخذ متنزهات فهم إنما أحدثوا هذه الرهبانية للتقلل في هذه الدنيا والتعفف عن الفروج وحبسوا فيها أنفسهم حتى إن أكثرهم إذا دخل إليها ما يعود يبقى له خروج فليحذرهم من عملها مصيدةً للمال أو خلوةً له ولكن بالنساء حراماً ويكون إنما تنزه عن الحلال وإياه ثم إياه أن يؤوي إليه من الغرباء القادمين عليه من يريب أو يكتم عن الإنهاء إلينا مشكل أمرٍ ورد عليه من بعيدٍ أو قريب ثم الحذر الحذر من إخفاء كتاب يرد إليه من أحدٍ من الملوك ثم الحذر الحذر من الكتابة إليهم أو المشي على مثل هذا السلوك وليتجنب البحر وإياه من اقتحامه فإنه يغرق أو تلقي ما يلقيه إليه جناح غربا منه فإنه بالبين ينعق والتقوى مأمور بها أهل كل ملة وكل موافقٍ ومخالفٍ في القبلة فليكن عمله بها وفي الكتابة ما يغني عن التصريح وفيها رضا الله تعالى وبها أمر المسيح‏.‏

توقيعٌ برآسة اليهود بالشام جاء مفتتحاً برسم من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة وهو‏:‏ رسم بالأمر - لا زال جوده في كل ملة وغمام كرمه على الخلق كأنه ظلة وذمام نعمه يبلغ المسلم والذمي من الاستحقاق محله أن يستقر الحكيم فلان‏.‏

ومنه‏:‏ - وأن يعاملهم على ما ألفوه من الأحكام وينصف صاحب حقهم من متطلبهم‏:‏ حتى لا يعدو أحدٌ في سبتٍ ولا في سائر الأيام ويهذب وحشي جاهلهم بإيناسه ويعالج سقم كاهلهم حتى تطلع الصفراء من راسه‏.‏

فليقم مقاماً في هذه الطائفة القديمة وليعبر من أسفارٍ عبرانية عن عوائد قضاياهم النظيمة مفرحاً بمعرفته كل حران جامعاً كل شعثٍ على عدلٍ عنده وإحسان شاكراً لظلل النعمة عارفاً بالعوارف التي ترعى يمينها كل ذمة‏.‏

النيابة الثانية من النيابات التي يكتب عن نوابها بالولايات نيابة حلب وهي على نحوٍ من نمط دمشق فيما يكتب عن نائبها فيكتب عن نائبها أيضاً بالتواقيع لأرباب الوظائف بحاضرة حلب وأعمالها‏:‏ من أرباب السيوف وأرباب الأقلام الدينية وأرباب الأقلام الديوانية ومشايخ الأماكن وغيرهم مرتبةً على المراتب الثلاث‏:‏ من الافتتاح بالحمد لله والافتتاح بأما بعد حمد الله والافتتاح برسم بالأمر‏.‏

وهذه نسخ تواقيع مما كتب به لأرباب السيوف بحاضرة حلب وأعمالها يستضاء بها في ذلك‏:‏ توقيعٌ بنقابة الأشراف كتب به للشريف عز الدين أحمد بن أحمد الحسيني بالمقر العالي وهو‏:‏ أما بعد حمد الله الذي خلد السيادة في بيوت الشريف أحمد تخليد وقلد تقاليد السعادة لأهل الإفادة أسعد تقليد وجدد الوفادة لحرم العبادة بعز العصابة المحمدية آكد تجديد والصلاة والسلام على سيد الخلق الذي عقد العهدين لأمته بالثقلين‏:‏ من كتاب الله وعترته وسر النفوس المؤمنة هداه بكل أبي من أسرته وأقر العيون المراقبة بكل سريٍّ من أهل بيته تبرق أنوار النبوة من أسرته وعلى آله حبل النجاة للمتمسك وسبل الهداة للمتنسك وصحبه نجوم الهدى ورجوم العدا وأئمة الخير لمن بهم اقتدى صلاةً وسلاماً يتعاقبان دواماً ويتلازمان على الألسنة مدى المدى لزاماً ما حلا بعين وطف وما علا علويٌّ ذرا شرف - فإن أهم ما اعتنى به ولاة أمور الإسلام وأعم ما اقتنى منه رعاةٌ أجور الحكام - رعاية مصالح أهل البيت وانتهاز الفرصة في موالاتهم حتى لا يقال لفواتها‏:‏ ليت وتعظيم ما عظم الله تعالى من حقوقهم وتكريم ما كرم رسوله من برهم واجتناب عقوقهم وتقديم أحقهم بالتقديم لا حق سباقهم إلى غايات الغلوات وسبوقهم والتعبد بالتعب والاجتهاد في نفعهم ونصب النفوس للنصب لتجر ذيول الفخر بموالاتهم وإعلائهم على الرؤوس ورفعهم اختياراً لرأي من زاد في العناية بالعترة الطاهرة واربى وأتماراً بقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ‏"‏ خصوصاً نقابة الأشراف والنظر فيما لهم من الأوقاف فهي شاملة جمعهم وجامعة شملهم وواصلة نفعهم ونافعة كلهم وبفضل مباشرها تسبغ عليهم النعمة وتستدر ببركة إجماعهم عليه سحب الرحمة وبكفالته تجمع المنة لمراتبهم وأحسابهم وبإيالته تدفع الظنة عن مناقبهم وأنسابهم وهو القائم عن ولاة الأمور من خدمهم بفروض الكفاية والدائم الدأب لمرآة أدبهم لتحسن لهم الرعاية فوجب الاحتفال باختيار من يحلي هذا المنصب الشريف وتعين الابتهال في امتياز من يسبغ عليه هذا الظل الوريف ممن قدم في هذه السيادة بيته وارتفع بخفض العيش لقرابته بعفافه وديانته صيته وتنزه عن كل ما يشين وتبرا واكتسى حلل الفخار العلية ومن أعراض الدنيا الدنية تعرى‏.‏

وكان فلان بن فلانٍ - أسبغ الله تعالى ظلالهم وضاعف بمعالي الشرف جلالهم - ممن حاز في هذه الخلال المنازع وجاز نهاية هذه الخصال بلا منازع وورد من حياض المناقب الجميلة أعذب المشارع ودرى المراقي إلى المجد ودرب وبلغت نفوس محبيه من مخايل سعوده الأرب وقرت عيون أقاربه بما حصل له من القرب ونشأ في حجر السعادة وارتضع لبان الإفادة ولحق بالسابقين الأولين من أهل بيته في الزهادة وتبتل بالإخلاص فظهرت على وجهه أنوار العبادة وانقطع على العمل وبلغ من العلوم الأمل‏:‏ قؤوم تشبث بالمجرة وهو شامة في شامه المنسوب‏:‏ ورث السيادة كابراً عن كابرٍ كالرمح أنبوبٌ على أنبوب أصل فخارٍ سما وفرع نجارٍ نما وغيث فضلٍ همى أثبت في أعلى المعالي قدماً وناسب قدره سيعه كرماً وجلت صفات محاسنه اللائقة وحلت الأفواه مدائح سجاياه الرائقة وتملت الألسن وما ملت ما تملي عنه بالخير كل ناطقة‏.‏

فلذلك رسم بالأمر الشريف - لا زالت أوامره ببر آل موالاته ماضية ونواهيه بقهر أهل معاداته قاضية - أن يستقر‏.‏

استقراراً يقر عين العلا ويسر نفوس أهل الولا ويضع الأشياء في محلها ويسند الأمور إلى أهلها ويستجلب الأدعية ويحمل بالولاء الجميل ألوية ويشرح خواطر الأشراف ويطيب نفوسهم ويرفع بعد سجود الشكر بالدعاء رؤوسهم‏.‏

فليباشر هذه الوظيفة مباشرةً يقفو بها آثار بيته الطاهر بعزمٍ كريم‏:‏ لكل مصلح بالخير غامر ولكل مفسدٍ بالضير قاهر وحزم حليم‏:‏ لكل حقٍّ ناصر ولكل كسرٍ جابر وليصل بالبر رحمه وليلن للضعيف كلمه وليقم بأعباء هذه الوظيفة قيام عمه الشريف وأبيه وليصم عن أموال الأوقاف صياماً يقربه الله تعالى به ويجتبيه ليحمد هذا المنصب الجليل في بيته الأصيل عوده على أحمد ولينفع قرابته بتثمير أموالهم وليشفع النهضة بالمعرفة في تثمير غلالهم لتدر بركته أخلاف أرزاقهم وتقر خواطرهم بمضاعفة أرزاقهم وإطلاقهم ويخصب في جنابه مرعاهم ويقرب في بابه مسعاهم وتنطق بشكره ألسنتهم الشريفة وتنطبق على صحبته ظلال بيوتهم الوريفة وليعتبر ويختبر أشغالهم وليمنع شبانهم من الاحتراف بحرف الأدنياء وليأمر الآباء بتعهد تربية الأبناء وليأمرهم من العمل بما يناسب معاليهم وليجبرهم بتدبيره السديد جبراً يميزهم بحسن السمت من أوليائهم‏:‏ وكلنا من مواليهم‏.‏

والوصايا كثيرة وعين علومه بتعدادها بصيرة وتقوى الله تعالى لا يهمل النص عليها والإشارة بحسن البيان وحسن البنان إليها فلتكن ركن استناده ورأس مال اعتماده والله تعالى يديمه في صعود درج السعود مدة حياته ويجمع له خير الدنيا والآخرة برفع درجاته‏.‏

وهذه نسخة توقيع بنقابة الجيوش بحلب كتب به لناصر الدين بن أيتبك بالسامي بغير ياء وهي‏:‏ رسم بالأمر الشريف - لا زال أمره الشريف يعضد الجيوش بأعضد ناصر ويرشد أولياء الخدمة إلى ارتقاء رتب المعالي فكل إنسانٍ عن إدراك محلها قاصر - أن يستقر فلانٌ - أدام الله توفيقه وجعل اليمن والسعد قرينه ورفيقه -‏.‏

استقراراً يظهر ما لم يخف من نهضته وكفايته ويشهر معلن سر يقظته ودرايته لأنه الفارس الذي أعز كل راجلٍ بشجاعته والممارس الذي خبر الوقائع بحسن دربته ودراية صناعته والعارف الذي اتصف بالخبرة وحسن الصفة وعرف في أموره بالعدل والمعرفة والهمام الذي علت همته فوق كل همة وكشف بجزيل مروءته من الكربات كل غمة وسار في الجيوش سيرة والده فشهد كل بما حواه من طارف الفضل وتالده‏.‏

فليباشر ذلك‏:‏ سائراً في الجنود أحسن سيرة مراقباً الله تعالى فيما يبديه من القول والفعل والعلانية والسريرة ملازماً ما يلزمه من حقوق هذه الوظيفة قائماً بما يجب من أداء الخدمة الشريفة ولينفذ ما يؤمر به من الأوامر عالماً بما يتعين من حقوق المأمور والآمر وليجتهد في جمع العساكر وإعلامهم بالمهمات وليتفقد أحوال الجند في سائر الأوقات وليسفر النقاب عن الوجوه بالحلية يوم العرض وليسبل حجاب الستر على من أدركه العجز عن أداء الفرض والوصايا كثيرةٌ لا تحتاج إلى التعداد وتقوى الله تعالى هي العمدة في كل الأمور وعليها الاعتماد‏.‏

توقيعٌ بالمهمندارية بحلب كتب به لغرس الدين الطناحي بالجناب العالي وهو‏:‏ رسم بالأمر الشريف - لا زالت عزائمه تندب للمهمات من غرست برياض وليه أدواح الهمم فزكا غرساً وتقرر لها من شاب فوده في إفادة الوفود فأجاب قصداً وأطاب نفساً ولا برحت عنايته تشمل من أولياء خدمها كل شهم إذا سل عضباً أزال نفساً وأسال نفساً وتعين من أعيانهم كل جميلٍ يود المنافس لو شاهده ولا تبخس يد الرقي منه نفساً - أن يستقر‏.‏

لأنه ذو الهمم التي لا تلحق جيادها ولا تسبق جودةً جيادها لا منتهى لصغار هممه فأنى تدرك كبارها ولا تدرك سوابقه فأنى تقتفى آثارها له قدم إقدامٍ في الثرى لا يزال راسخاً وهامة همةٍ لم يزل شرفها على الثريا باذخاً ولأنه الفارس الذي تفرست في مخايله الشجاعة وتبضع الشهامة في الحروب فكانت أربح بضاعة كم أزرت سمر رماحه بهيف القدود وأخجلت بيض صفاحه كل خودٍ أملود وكم جردت من مطربات قسيه الأوتار فتراقصت الرؤوس وشربت الرماح خمر الدماء فعربدت على النفوس‏:‏ له هممٌ تعلو السحائب رفعةً وكم جاد منها بالنفائس والنفس‏!‏ وتجنى ثمار الفضل من دوح غرسه‏!‏ ولا غرو أن تجنى الثمار من الغرس‏!‏ فليباشر هذه الوظيفة مباشرةً تحمده فيها الوارد وتشكره بالقصد ألسنة القصاد وتذكره البريدية بالخير في كل وادٍ وليهيء لهم من القرى ما يهيئه المضيف وليحصل لهم التالد منه والطريف وليتلقهم بوجه الإقبال وليبدأهم بالخير ليحسن له المآل وليجعل التقوى إمامه في كل أمرٍ ذي بال وليتصف بالإنصاف فهو أحمد الأوصاف في جميع الأحوال‏.‏

توقيعٌ بتدقمة البريدية بحلب كتب به لعماد الدين إسماعيل بالمجلس العالي وهو‏:‏ رسم بالأمر الشريف - لا زالت عنايته الكريمة تقدم إلى الرتب العلية من بنى أس إقدامه من المروءة على أشرف عماد وتعين للمهمات الشريفة من امتطى من جياد العزم أسبق جواد وتندب لها من أولياء خدمه كل ندبٍ لم يزل ساعد سعده مبنياً على السداد وتصعد إلى أفقها من ذوي الشهامة من فاقت بيمينه الصعاد - أن يستقر‏.‏

لأنه ذو الهمم التي سامى بها الفراقد والكفء الذي نشط إلى القيام بالعزائم إذا قعد عنها من ذوي الهمم ألف راقد والمقدم الذي قدمه الإقدام على قضاء الأمور المعضلات وحلى أجياد ذوي المآرب إذ حل لهم منها بيمن عزمه المشكلات ما علا جواد بريدٍ إلا وسابق الطرف بل الطرف إلى المراد ولا ندب إلى مهم للحكم فيه نيلاً لأملٍ إلا قدح من رأيه في فضائه أورى زناد والفارس الذي تمايلت بكفه العوامل عجباً من رأيه في فضائه أورى زناد والفارس الذي تمايلت بكفه العوامل عجباً فأخجلت الأغصان وحلت إذ حلت بقلوب الأعداء وإن كانت من المران والشهم الذي سبق السهم إلى الغرض والشجاع الذي ما أعرض عن محاربة الأقران‏:‏ فصفى جوهر شجاعته من العرض واليقظ الذي لم يكن يناظره إنسان ولا انطبق على أسيافه المسهدة بيمينه أجفان‏.‏

فليباشر هذه التقدمة مباشرةً يشهد الحاسد له فيها بالتقديم ويقر الجاحد أنه أهدي لما أسدي إليه إلى صراط عزمٍ مستقيم وليطر إلى قضاء المهمات الشريفة بأجنحة السداد وليمتط من جواد الجواد أسبق جواد وليسو بين البريدية في الأشغال وليقبل عليهم فيما يرومونه من حسن السفارة بوجه الإقبال وليسلك سنن الصدق والتقوى وليجعلهما له أحسن سنة وليلبس سوابغ الإنصاف فإنها من سهام الخلل جنة‏.‏

نسخة توقيع بنيابة عينتاب كتب به لناصر الدين محمد بن شعبان بالمجلس العالي عوضاً عمن رسم بالأمر الشريف - لا زال إحسانه العميم يرفع لناصر الدين قدراً وامتنانه الجسيم ينفذ له في حفظ الممالك المنصورة أمراً ويولي أمر الرعية من حسنت سيرته سراً وجهراً - أن يستقر‏.‏

لأنه شهمٌ سهم عرفانه مصيب وفارسٌ ربع خبره وخبره خصيب له مناقب جليلة وسيرةٌ محمودةٌ جميلة تنقل في المراتب تنقل البدر في سعوده وارتقى ذروة السيادة ارتقاء الكوكب في منازل صعوده ما باشر مباشرةً إلا ونشرت له بها أعلام شكره ولا علا منزلةً إلا تليت بها سور حمده وذكره لم يزل متبعاً للحق في أحكامه سالكاً سبل الصواب في نقضه وإبرامه فتح له إقبالنا الكريم بابه فلذلك قدم على غيره في هذه النيابة‏.‏

فليباشرها مقتفياً آثار العفاف مرتدياً أردية العدل والإنصاف مقيماً منار الشرع الشريف منصفاً من القوي الضعيف والله تعالى يوفقه للصواب فيما تولاه والخط الكريم شاهد أعلاه‏.‏

قلت‏:‏ وعلى نيابة عينتاب هذه يقاس ما في معناها من نيابات العشرات فيجري الحكم في تواقيعها كذلك‏.‏

أما الطبلخانات فقد تقدم أن الأصل أنه لا يولى فيها إلا من الأبواب السلطانية‏.‏

وهذه نسخة مرسومٍ بإمارة الركب الحلبي المتوجه إلى الحجاز الشريف كتب به لشهاب الدين أحمد بن الطنبغا بالجناب الكريم‏.‏

والبياض فيه وصلٌ واحد وهي‏:‏ رسم بالأمر العالي - لا زال يمنح وفد الله تعالى بمن لم يزل شهاب هممه في أفق الصيانة منيراً ويسند أمرهم إلى كل ندبٍ لا يزال على الحق ظاهراً وعلى ذوي الباطل ظهيراً - أن يستقر فلان من أعيان الموالي الأمراء الطبلخانات بحلب المحروسة - أعز الله تعالى نصرته - أميراً على ركب الحاج الحلبي في هذا العام المقبل على أجمل العوائد وأكمل القواعد حسب ما رسم به استقراراً يحمد به الوفد عند صباح هممه السرى ويبلغ بهم قرى الغفران بأم القرى وينال به طيب العيش بطيبة وطابة ويدرك بجياد فضله آرابه ويمنح به زيارة سيد البشر عليه أفضل الصلاة والسلام ويفوق به مسهم إصابته من البشر إلى مرامي المرام ويشهد به بين قبره ومنبره روضةً من رياض الجنة ويلبس به سوابغ القبول لتكون له من سهام الذنوب أوقى جنة ويتردى به برود التقى حين ينزع محرمات الإحرام ويقبل به على ذكر الله تعالى في الوهاد والبقاع والآكام ويستقبل به حرم بيت الله الحرام ويشب له الهنا حين دخوله المسجد من باب بني شيبة ويتعاطى به أسباب التوبة لينال من العفو من الله الكريم سيبه ولا يقتصر به عن التطاول إلى الدعاء إلى الله تعالى لتعمه الرحمة بفضله وطوله ويدخل به حرماً آمناً يتخطف الناس من حوله ويفتح به إلى المقام باباً من الأمن إلى يوم القيامة مقيم ويذكر بوقوفه بعرفاتٍ وقوفه ‏"‏ يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم ‏"‏‏.‏

فليباشر هذه الإمرة المباركة مباشرةً يتيقظ منها لهجر المنام وليصرف وجه سهامه إليها في المسير والمقام ولينفق على الحاج من كنوز معدلته وليجعل القيام بمصالحهم من أكبر همته وليسع بالصفا في حراستهم من أهل الفساد وليعتمد صونهم من ذوي العناد وليعاملهم بالإرفاد والإرفاق وليقطع من بينهم شقة الشقاق وليجعل تقوى الله إمامه في القول والعمل‏.‏

وهذه نسخ تواقيع لأرباب الوظائف الدينية بحلب‏:‏ توقيعٌ بقضاء القضاة كتب به لقاضي القضاة جمال الدين إبراهيم بن أبي جرادة قاضي قضاة حلب المحروسة الشهير بابن العديم من إنشاء‏.‏

الحنفي بالمقر الكريم وهو‏:‏ الحمد لله الذي رفع مرابت المناصب العلية وكساها من ملابس أهلها حلل الجمال وجمع شملها فاقترنت بإلفها اقتران النيرين‏:‏ شمس الضحى وبيت الكمال ورفع عنها يد المتطاول والمتناول فأصبح رقم طرازها الموشى منتسجاً على أحسن منوال وقطع الأطماع عن إدراك شأوها فلا يصل إليها إلا كل فحلٍ من الرجال‏.‏

نحمده على نعمه التي اعترف من اغترف من بحرها الوافر بالخير الكامل والفضل المديد واقترف من اقتطف ثمار جودها جميل النوال المفيد وجزيل الإحسان العديد حمداً يوافي نعمه ويكافي مزيده ويعم بالإنعام الشامل نائله ومريده ونشكره على مننه التي يقصر لسان الإطناب عن حصرها وتعدادها وتعجز بنات الفكر عن إدراك وصفها وتردادها شكراً ينال به العبد رضا المعبود ويبلغ به من مقاصد الكرم والجود غاية المقصود ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ضد ولا والد له ولا ولد ولا ند شهادةً تبيض وجه قائلها عند العرض وينطق بها لسان التوحيد يوم تبدل الأرض غير الأرض ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الذي أظهر الله به الحق وأعلنه وبهر بحقائق معجزاته العقول فاعترف كل بصحة ما عرفه وبينه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين نصر الله بهم الإسلام وأبد أحكامه وأحكم بهم مباني الإيمان المنيرة وأيد إحكامه صلاةً تتعطر بنفحات عرفها أرجاء المدارس وينادي لسان فضلها لرائد فرائد المعالي على طول المدا‏:‏ رس وسلم ومجد وكرم وشرف وبجل وعظم‏.‏

وبعد‏:‏ فإن أولى من لحظته عين العناية والقبول وأجدر من بلغ من مقاصد المناصب العلية غاية القصد والسول وأعز من رقي ذرا المعالي وارتقى وأجل من وصف بالأوصاف الجميلة ونعت بالديانة والتقى - من سارت سيرة فضله في الآفاق ودل على صفاء السريرة منه حسن الأخلاق واشتهر بالعلوم الجزيلة والمناقب الجليلة وعرف في الإنصاف بالأوصاف المحمودة والخصال الجميلة وأظهر من العلوم الشريفة ما حير العقول وحقق من المسائل اللطيفة ما جمع فيه بين المنقول والمعقول ودقق المباحث حتى اعترف بفضله الخاص والعام وفرق بين الحقيقة والمجاز فلا يبحتاج إلى استعارة إذا تشبه الأخصام وحكم بما أراه الله فأحكامه مرضية وقضاياه في الجملة قد أنتجت فهي مقدمةٌ في كل قضية وثابر على إلقاء الدروس في وقتها وأوانها وقرر كل مسألةٍ في محلها ومكانها وأفاد طلاب العلم الشريف من فوائده الجمة وكشف لهم عن غوامض المباحث فجلا عن القلوب كل غمة وجال في ميادين الدروس فحير الأبطال وحاز قصب السبق في حلبة اللقاء فرد متأسفاً كل بطال ونظر في أمور الأوقاف بما أراه الله فأتقن بحسن النظر وجه ضبطها وأجرى أمور الواقفين على القواعد المرضية فوافق المشروط في شرطها وجمع ما تفرق من شملها فأجمل وفصل وحفظ أموالها فحصل وأصل فهو الحاكم المشهور بالعدل والمعرفة والناظر الذي حمدت الأمور تصرفه والإمام الذي ائتم الأنام بأقواله وأفعاله والعالم الذي يحمد الطالب إليه شد رحاله والمدرس الذي أفاد بفقهه المفيد النافع وترفع في البداية والنهاية فهو المختار في المنافع وسلك منهاج الهداية فنال من العلوم الغاية فبدائع ألفاظه لعقائد الدين منظومة وكنز عرفانه عزيز المطلب ومحاسنه المشتملة على الكمال معلومة‏.‏

ولما كان فلانٌ - أعز الله تعالى أحكامه وقرن بالتوفيق والسداد نقضه وإبرامه هو المشار إليه بالأوصاف والنعوت والمعول عليه إذا نطق بالفضائل والحاضرون سكوت والمشكور أثر بيته المشهور والمنشور علم علمه من السنة والشهور يا له من بيتٍ لم يزل معموراً بالتقوى والصلاح محمياً بأسلحة أهله‏:‏ فمن أحكامهم السيوف ومن أقلامهم الرماح فهو العديم المثل وبيته العديم وحرم فضلٍ يحج إليه الراحل والمقيم فاستحق أن تقابل مقاصده بالإقبال ويقابل بما يؤمله مقابلة مثله ولا كسائر الأمثال‏.‏

فلذلك رسم بالأمر الشريف - لا زالت مراسمه المطاعة تقر الحق في يد مستحقه وترد الأمر إلى وليه ومالك رقه وتسوق هدي الإحسان إلى محله وتضع الاستحقاق في يد مستحقه والحق وضع الشيء في محله - أن يستقر‏.‏

بحكم ظهور الحق بيده المباركة وخفاء الباطل الذي ليس له في الحق مشاركة استقراراً مباركاً ميموناً بالخير والسعد مقروناً لأنه الأحق بأمر وظائفه والطائف حول حرمها الممنوع طائفه وأولى من عقلت عليه عقيلته وردت إليه فريدته وباشر بنفسه الكريمة ما عهد إليه سلفه وانفرد به فلا يناله - إن شاء الله - إلا خلفه طالما ألفت منه الأوقاف من الشفقة والخير وحفظ جهاتها المحمية عن تطاول يد الغير ونعم بحسن نظره من المدارس كل دارس وفازت منه الدروس بالعالم العارف والبطل الممارس‏.‏

فليباشر ذلك على ما تقدم له من حسن المباشرة وليجتهد - على عوائده - في تحصيل ريعه مثابراً على الأجور أشد مثابرة وليصرف أموال الأوقاف في مصارفها بعد العمارة والتثمير المبدأين في شرط واقفها وليسو - على مقتضى معدلته - بين القوي والضعيف والشاب الصغير والشيخ النحيف على قدر تفاوتهم في العلم الشريف وليطلق لسانه في إلقاء الدروس على عادته وليمهد للمشتغلين طريق الفهم لينالوا من إفادته وهو بحمد الله تعالى أولى من أدى الأمور على الوجه المستقيم ووفى المناصب حقها فإن الوفاء جديرٌ بإبراهيم‏.‏

والوصايا كثيرةٌ وإليه مرجوعها ومن بحار علمه ودينه المتين ينبوعها والله تعالى يؤيد به المناصب ويرفع بعلو رتبته المراتب‏.‏

نسخة توقيع بخطابة جامع كتب به لقاضي القضاة كمال الدين عمر ابن قاضي القضاة جمال الدين إبراهيم بن أبي جرادة الحنفي الشهير بابن العديم بالمقر الشريف وهي‏:‏ رسم بالأمر الشريف - لا زالت عنايته ترقي في منازل المجد من تتأثل بفضله بهجةً وكمالاً وتذلل جيادها لفرسان الفضائل فتجيد لهم في ميدان البلاغة مجالاً وتسلم رايتها إلى من صدق بارق سعده ووهب من العلم ملكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعده - أن يستقر‏.‏

لأنه الإمام الذي لو تقدم عصره لكان أحد أئمة الاجتهاد والعارف الذي بلغ بولايته مريد الفضل غاية المراد والعالم الذي وجدت أخبار علومه نسبة يطابقها في الخارج صالح العمل واتبع سنن الكتاب والسنة فلم يتخلل طريقته المثلى خلل والمحقق الذي وجد إلى كنه الحقيقة أكمل مجاز والمفوه الذي بلغ من البلاغة في كلام البشر حد الإعجاز إن خطب شنف بدرر مواعظه الأسماع وشرف بغرر فرائده الأسجاع واهتزت أعواد المنابر طرباً لكلمه الطيب وروى أوام القلوب سح فضله الصيب وإن قرأ في محرابه أقر بفضله الجمع الجامع واستقل ابن كثير حين وجد الكسائي عارياً مما لديه وفضله الجم أكمل نافع‏:‏ خطيبٌ إذا الصادي تصدى لفضله‏:‏ ليروى فأنواء العلوم تغيثه‏!‏ وإن يروا للجلاس أخبار أحمدٍ فخير جليسٍ لا يمل حديثه‏!‏ وهو الكامل الذي أدرك درجات الكمال في البداية فأمن في النهاية وهو قاضٍ من النقص وسارت عيس الطلاب إلى حضرته الكريمة واحدةً ولكن بالنص والصاحب الذي استصحب يسار العفاة باليمين وأزال ظن قاصده في بره الشامل باليقين كم أطلق بأقلامه المفيدة مكرمةً بصلة الأرزاق ونسخ بمحقق فضله رقاع الأول بالعطاء على الإطلاق ولو نظر الملكان‏:‏ هاروت وماروت ما ملكه من كتابته الساحرة لأقرا أنه السحر الحلال ولو قابله ابن هلالٍ لانخسف بدر فضله عند الكمال‏:‏ يروع سيوف الهند وري يراعه وقد طار من خوفٍ حديد ذبابها‏!‏ فليباشر هذه الخطابة مباشرةً ترشف منها كؤوس كلمه الأسماع وليكشف لها عن وجوه فضائله القناع ولينثر عليهم من درر بلاغته ما تلتقطه أفواه المسامع ولينشر من طي لسانه علم علمه الذي لا يقاس عليه غيره أبى الله والفارق الجامع وليطرب بمواصيل أسجاعه القاطعة بفضائله المكملة وليظهر ما جمعه من محاسنه التي هي الجمع الذي لا نظير له ولينفق على الجمع يوم الجمعة مما آتاه الله تعالى من كنوز الفضائل وليبلغهم من بلاغته التي أخملت ذكر قس وسحبان وائل وأنت - أسبغ الله تعالى ظلالك - معدن الفضائل فأنى تهدى إليك الوصايا والمتصف بصفات الكمال فكيف تعرض عليك المزايا ولكن الوصية بتقوى الله تعالى من شعائر الإسلام والله تعالى يديمك غرةً في جبهة الأيام‏.‏

وهذه نسهة توقيعٍ بتدريسٍ بالجامع المذكور كتب به للقاضي علاء الدين علي الصرخدي الشافعي نائب الحكم العزيز بحلب بالمقر العالي وهي‏:‏ رسم بالأمر - لا زالت صدقاته تمنح دروس العلم الشريف بعلي العلوم وتندب لها من ذوي الاجتهاد من ساير بهممه البرق وسائر النجوم وتقرر للطلبة من أولي العناية من حقق الفضائل واطلع على سرها المكتوم وتدير عليهم من مشرب فوائده ما يخال أنه الرحيق المختوم - أن يستقر فلانٌ‏.‏

استقراراً تقربه أعين الطلاب وتلمح من صوب فضله عين الصواب ويشيد به دارس الدروس ويطلع به في سماء الفضائل أنور شموس وتنشر به أعلام العلوم من طي الألسنة ويذهب من كل الطلبة في تحصيل العلم الشريف وسنه لأنه الحبر الذي شهدت بفضله الأسفار ورحلت إلى فوائده الجمة السفار والبحر الذي جرت سفن الأذهان به فلم تدرك غاية قراره وعجزت الأمثال عن خوض تياره والعالم الذي أقر بعلمه الأعلام وشهدت بإحكام أحكامه الأحكام ما برز في موطن بحث إلا وبرز على الأقران ولا جاراه مجتهدٌ إلا وكانا كفرسي رهان ولا نطق بمنطقٍ إلا وأنتجت مقدمات هممه العلية واجتهاده على فضله أكمل برهان ولا أجرى جياد علومه إلى غايةٍ إلا مطلقة العنان ولا رآه من أخبر عن فضله إلا تمثل له‏:‏ ليس الخبر كالعيان إن تصدر للفوائد التقطت الأسماع در علمه النفيس وإن درس تخال الطلبة أنه ابن إدريس فهو طود فضلٍ لا يسامى علواً ورفعة ولا ينوي مناوأته مناويءٌ ولو كان ابن رفعة‏:‏ إمامٌ غدا للسالكين مسلكاً عليمٌ وكم أولى الفضائل من ولي‏!‏ علا فأسال البحر من فيض علمه‏!‏ وذلك سيلٌ جاء بالفضل من علي‏!‏ فليباشر هذا التدريس المبارك مباشرةً يثبت بها فوائده وينثر بها فرائده ويطرب الطلاب بطريف العلم وتالده ويجمع لهم من صلة الفضل وعائده وليلازم المباشرة ملازمةً لا ينفك عنها أيام الدروس ولينر القلوب بمصابيح الكتاب والسنة ويسر النفوس‏.‏

وأنت - أمتع الله بفوائدك - من نورك الوصايا تقتبس وكم آنس الطالب نار فضلك فأتى منها بأنور قبس والله تعالى يبقيك للعلوم كنزاً لا تفنى مواهبه ويديمك للطلاب بحراً لا تنقضي عجائبه‏.‏

وهذه نسخة توقيع بتدريس بالجامع المذكور لحنفي كتب به للشيخ شمس الدين محمد القرمي الحنفي بالجناب العالي وهي‏:‏ رسم بالأمر - لا زالت عنايته الكريمة تطلع شمس الدين للهداية في أفق المدارس وتشيد بالعلماء الأعلام من ربوعها كل دارس وتمنح الفقهاء بمن إذا تصدى للإفادة جادت نفسه بالدرر النفائس وتندب لها من أولي البلاغة من إذا ألف فصلاً وجدت غصون أقلامه في روضات الطروس أحسن موائس - أن يستقر فلانٌ‏:‏ استقراراً تجمل به الدروس بالفوائد وتمنح الطلبة منها بالصلة والعائد ويمد لهم من مواد العلوم أشرف موائد ويوردهم من مناهلها أعذب موارد لأنه شمس العلوم ومصباحها وقمر ليل المشكلات وصباحها وساعد الفتاوى الطائرة بفضائله في الآفاق وجناحها وروح كؤوس العلوم وراحها وطليعة الحقائق وعنوانها وعين الدقائق وإنسانها والإمام الذي أئتم به الطلاب فاستحق الإمامة والعالم الذي اجتهد على فضل العلوم فاستوجب أن ينعت بالعلامة والفاضل الذي ضبطت أقواله للاطلاع على سرها المكتوم فاختص فعل علمه المتعدي باللزوم لاتصافه بالعموم كم التقطت من دروسه الجواهر وتمثل لأبكار فوائده‏:‏ كم ترك الأول للآخر قابلته الأسفار عن وجوه فوائدها بالإسفار وأظهرت لذكاء ذكائه ما ضمته أحشاؤها من الإضمار فهو المختار لهذا التدريس‏:‏ إذ درر فوائده منظومة والمجتبى للإفادة بسلوكه طرق الهداية إلى دقائقها المكتومة وكم استنارت الطلبة من سمر فضله حتى كاد أن يكون ثالث القمرين وجمع في صدره بحري المنقول والمعقول حتى قيل‏:‏ هذا مجمع البحرين‏:‏ هو البحر إلا أن فيه عجائباً ووافر فضلٍ ليس يوجد في البحر‏!‏ بلاغته السحر الحلال وإنما بديع معانيها يجل عن السحر‏!‏ فليباشر هذا التدريس ناثراً درر فرائده ناشراً غرر فوائده جائداً بجياد فضائله السابقة إلى الغايات عائداً بصلات حقائقه لتكمل للطلبة به المسرات وليلازم أيام الدروس ما أسدي إليه من هذه الوظيفة وليرتق من درج التقوى لغرف المعارف الشريفة‏.‏

وهذه نسخة توقيعٍ بإمامةٍ وتصديرٍ بجامع منكلي بغا الشمسي بحلب كتب به للشيخ شمس رسم بالأمر - لا زالت صدقاته العميمة تطلع شمس الدين في أفق المعالي وترفع من أوليائه خدمة من جيده بالفضل حالي وتمنح برها من أعربت عن لحنه الطيب وتشنفت من فيه باللآلي وتسفح غيث جودها على من أجمع على طيب مسامرته ورفع أدعيته الأسماع والليالي‏.‏

أن يستقر فلانٌ - أدام الله تعالى ضياء شمسه وبنى له ربع السعد من جوده على أسه‏.‏

لأنه الإمام الذي شهدت بحسن قراءته المحاريب والآتي من فضل فضائله بالأغاريب والفاضل الذي سلك طرق الفضائل أحسن سلوك وشهد بسبق جياد جوده في حلبة الاختبار كل حتى الملوك والكامل الذي كملت أوصافه المحمودة فأمن النقائص واختص بجميل الشيم وحسن الخصائص ما أم إلا وشهد بفضله كل مأموم وأقروا أن أسماعهم ارتشفت رحيق فضائله من كأسها المختوم وما سامر الخواص إلا وشهد العوام بحسن صفاته ولا حدث إلا وكانت الملوك من رواته‏.‏

فليباشر هذه الوظائف المباركة مباشرةً تقر بها النواظر وتجتمع الألسنة على أنه أكرم إنسان وخير ناظر وليتصدر لإلقاء الفوائد وليكسب الأسماع من علمه بالطريف والتالد وليتناول معلومه أوان الوجود والاستحقاق هنياً ميسراً من غير تقييد على الإطلاق وليتق الله فيما أسدي إليه من ذلك وليسلك من سنن التقوى - بقدم الصدق - أحسن المسالك‏.‏

توقيعٌ بكتابة الدست بحلب كتب به لبهاء الدين بن الفرفور ونظر بيت المال بحلب بالجناب العالي وهو‏:‏ رسم بالأمر - لا زال ينظم عقود الإحسان في أجياد أوليائه ويجزل لهم بوافر نظره وافي عطائه ويجري بهاء الدين على أحسن نظام فينجز له عدة وفائه - أن يستقر‏.‏

استقراراً يبلغ به وجوه الآمال ويكسو الدواوين ملابس البهاء والكمال ويزيدها رفعةً بما يفضله من ذلك الجمال لأنه الفاضل الذي إذا قصد المعاني أصاب وإذا سئل عن كل معنى لطيفٍ أجاد وأجاب والفصيح الذي إذا تكلم أجزل وأوجز وأسكت كل ذي لسنٍ بفصاحته وأعجز والبليغ الذي أبدع في مكاتباته بمنثوره ومنظومه واللبيب الذي أطلع من أزهار كلمه المسموعة في رياض الطروس ما يخجل الروض إذا افتخرت بمشمومه والكاتب الذي قطعت بمعرفته الأقلام والحاسب الذي عقدت على خبرته خناصر الأنام والأديب الذي جمع بين قلم الإنشاء الشريف وحاز ما في ذلك من تالدٍ وطريف فلله دره من كاتبٍ زين الطروس بحسن كتابته وجمل الألفاظ والمعاني بجميل درايته وفصاحته‏.‏

فليباشر ما عدق به من ذلك مباشرةً مقرونةً بالسداد مشكورة المساعي والاعتماد مظهراً براعة يراعه باسطاً يد إيداعه الجميل وإبداعه مفوفاً حواشي القصص بتوقيعاته موشياً برود الطروس بترصيعاته وتوشيعاته ناظراً على اعتماد مصالح بيت المال المعمور وتحصيل حواصله على الوجه المشهور والطريق المشكور عاملاً بتقوى الله عز وجل في ضبط مصالح ديوان الجيوش المنصورة سالكاً من حسن الاعتماد طرقاً على السداد والتوفيق مقصورة والوصايا كثيرةٌ وتقوى الله تعالى عمادها فليجعلها عمدته فيما يتم به للنفس المطمئنة مرادها وليتناول معلومه المستقر لذلك أوان وجوبه والله تعالى يبلغه غاية قصده ومطلوبه‏.‏

توقيعٌ بصحابة ديوان الأموال بحلب من إنشاء ابن الشهاب محمود كتب به للقاضي شمس الدين محمد بن محمد أحد كتاب الدست بحلب بالمجلس العالي وهو‏:‏ رسم بالأمر - لا زالت صدقاته العميمة تسر نفوساً وتطلع في هالات الوظائف السنية عوض الشمس شموساً وتسقي غرس نعمائها الهبات الهنية فتزهي أغصاناً يانعةً وغروساً - أن يستقر‏.‏

لأنه الأوحد الكامل والرئيس الفاضل ولأنه حاز قصب السبق في المباشرات والمناصب الجليلة والمراتب السنيات طالما بذل جهده في خدمة الدول وسلك بجميل مباشرته طريق السلف وسبيل الأول فأدرك بحسن سيرته ويمن طريقته نهاية السول وغاية الأمل وأتى الأمور على قدرٍ ولا يقال‏:‏ على عجل ولأنه الأمين في صنعة الإنشاء والتابع في فنه فنون الأدباء إن رقم الطروس طرز وإن بارز الأقران في مواطن الافتخار برز وإن بسط الجرائد تغار من حسنهن الخرائد طالما نطق بالحكم واشتهر بين أصحابه مثل اشتهار النار على علم نظم المحاسن في نثره البديع وجمع بين الأضداد فيما يبديه من الإنشاء ويحليه من التصريع قدمت هجرته في الخدمة الشريفة واقتطف من زهر الصدقات الشريفة أحسن منصب وأجمل وظيفة وتحلى جيده بالقلائد وحصل بسعيه مجموع الفرائد فعادت عليه الصدقات الشريفة بأجمل العوائد قد استحق التقديم واستوجب من الصدقات العميمة نهاية التكريم‏.‏

فليباشر هذه الوظيفة مباشرةً حسنة الآثار جميلة الإيراد والإصدار ناظماً بقلمه الحساب على أنواعه محكماً له على سداد أوضاعه وليطلع شمسه في سماء هذه الوظيفة وليجن من روضها الأريض كل يانعةٍ لطيفة وليعلم أن هذه بوادر خيرٍ سرت إليه وسوابغ نعمٍ خلعت عليه وأن الصدقات العميمة لابد أن توليه بعد ذلك براً وتترادف عليه تترى وتعلي له بين رفاقه المرفقين قدراً ومثله لا ينبه على وصية لا دانيةٍ ولا قصية لكن التقوى لابد منها ولا يجوز أن يغفل عنها فليجعلها اعتماده في كل الأمور وليتناول معلومه المقرر له على الوظيفة المذكورة في غرر الشهور والله تعالى يضاعف له بمضاعفة الصدقات عليه أوقات السرور ويقيه بلطفه كل محذور‏.‏

توقيع بنظر بهنسى من عمل حلب كتب به لفتح الدين صدقة بن زين الدين عبد الرحيم المصري بالمجلس السامي وهو‏:‏ رسم بالأمر - لا زالت صدقاته العميمة تفتح لأولياء خدمته أبواب الخيرات ولا برحت تهدي إليهم أنواع المسرات - أن يستقر‏.‏

في وظيفة النظر بمدينة بهنسى المحروسة عوضاً عمن بها بالمعلوم الذي يشهد به الديوان المعمور إلى آخر وقت على العادة في ذلك والقاعدة استقراراً يسر خاطره ويقر ناظره لأنه الماهر في صناعته والرابح في متاجر بضاعته‏.‏

فليباشر هذه الوظيفة مباشرةً حسنة لتصبح الألسنة بشكرها معلنة وليصرف قلمه فيما يعود نفعه عليه وليجتهد فيما يستجلب الأثنية إليه وليقبض معلومه أوان وجوبه هنياً وليتناوله بيد استحقاقه مرياً والوصايا كثيرةٌ وهو - بحمد الله تعالى - غير محتاج إليها لأنه الفاعل لها والدال عليها وتقوى الله تعالى عمادها وبه قوامها وسنادها فليتمسك بسببها في الحركات والسكنات والله تعالى يهيء له أسباب المسرات‏.‏

توقيع بكتابة الإنشاء ونظر الجيش بدبركي كتب به للقاضي شهاب الدين أحمد بن أبي الطيب العمري العثماني بالجناب الكريم وهو‏:‏ رسم بالأمر - لا زال يجمل الثغور بمن تزهو برحيق كلمه الطيب المناصب ويكمل محاسنها بمن لم تزل الصحف تقود من جياد فضله أجمل جنائب وحباها بشهابٍ يهتدى إلى المقاصد بنجم رأيه الثاقب وسرها بكل ندبٍ لم تزل كتبه ترد من الدعار الكتائب - أن يستقر‏.‏

في وظيفتي كتابة الإنشاء الشريف والجيش المنصور بدوركي المحروسة عوضاً عن فلان بالمعلوم الشاهد به الديوان المعمور إلى آخر وقتٍ لأنه من بيتٍ رفع علم قدره على السحائب وانتصبت راية آرائهم بالتمييز في مواكب العزة عن المواكب وأضيف إلى مجدهم شرف الكمال فانجر بالإضافة ذيل مجدهم على الكواكب وجزم أولو الفضل بنسبتهم إلى المعالي فحازوا قصبها استحقاقاً وما زاحموا عليها بالمناكب وأسس أصله على عماد شرف الفاروق وذي النورين فتفرع على أكمل تناسل بتناسب‏.‏

النيابة الثالثة مما يكتب من التواقيع بالولايات عن نواب السلطنة بها نيابة طرابلس وهي على ما تقدم في دمشق‏:‏ من تقسيمها إلى تواقيع أرباب السيوف وتواقيع وظائف أرباب الأقلام الدينية وتواقيع أرباب الوظائف الديوانية وأرباب الوظائف بمشيخة الأماكن وغيرهم وهذه نسخ تواقيع من ذلك‏:‏ نسخة توقيع بشد الدواوين بطرابلس كتب به لصلاح الدين صلاح الحافظي بالجناب الكريم وهي‏:‏ الحمد لله الذي أيد هذه الدولة وسددها بأنواع الصلاح وعمر العالم بعدل سلطانها وجعل أيامه مقرونةً بالنجاح وأقام لتدبير المملكة كل كفء كافٍ مشهور باليمن والفلاح‏.‏

نحمده على نعمه الغامرة في المساء والصباح ونشكره على آلائه في كل غدوٍّ ورواح ونشهد أن لا إله إلا اللله وحده لا شريك له شهادةً خالصةً ضوئيةً كالمصباح وأن سيدنا محمداً عبده ورسوله أشرف من اصطفاه وأرسله بالدين الحنيفي فبشر وأنذر وحلل وحرم وحظر وأباح صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاةً دائمةً مستمرةً ما حيعل الداعي إلى الفلاح‏.‏

وبعد فإن أولى الأولياء بمضاعفة الإحسان وأن يعلى له في المكان والإمكان - من عرف بأجل المباشرات في الفتوحات واشتهر فيها بالكفاية والصيانة وجميل التدبير وحسن الصفات‏.‏

ولما كان فلانٌ هو المنفرد بهذه الصفات الحسنة واتفقت على نعوته الجميلة الألسنة والوحيد بهذه السجايا الفريد بشرف المزايا عقدت الخناصر عليه واقتضت الآراء أن يسند تدبير المملكة إليه‏:‏ فإنها لم تجد لها كفأً غيره ولا من يجمع شمل شتات أقوالها ولم يفرط مثقال ذرة‏.‏

فلذلك رسم بالأمر - لا زال يندب لتدبير الممالك كل كفءٍ كاف ويورد أولياءه من موارد إحسانه مورداً عذباً صاف - أن يفوض إلى الجناب الكريم - أدام الله علو قدره وأيده بالمعونة في أمره - شد الدواوين المعمورة الطرابلسية بالمعلوم المستقر الشاهد به الديوان المعمور إلى آخر وقت على عادة من تقدمه‏.‏

وهذه نسخة توقيعٍ بالاستمرار في شد الدواوين‏:‏ الحمد لله الذي قرن الشدة بالفرج وجبر بعد الانكسار وامتحن عباده بأنواعٍ من المحن ليعلم الصادقين في الاصطبار وأطلع في أفق العلا سعد السعود ساطعاً بالنور بعد ما غار وجمع لمن انقطع به حبل الرجاء من الخلق فتوكل عليه بين نيل المطلوب وتمحيص الأوزار‏.‏

نحمده وفي محامده تطيب الآثار ونشكره على ما أسبل من النعم الغزار ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهٌ كشف الغم بعد ما غم القلوب وغطى على الأبصار وفرج الهم وقد كان ادلهم وأظلمت منه النواجي والأقطار ونشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى المختار سيد ولد آدم في الدنيا وسيدهم في دار القرار صلى الله عليه وعلى آله الأطهار وصحابته الأخيار ما أظلم ليلٌ وأضاء نهار‏.‏

وبعد فإن الله تعالى لطف بهذه الدولة المعظمة في المقام والسير فما مضى لأحدٍ معها يوم سرورٍ إلا والذي من بعده خير ونصب خيام عدلها على الخلق وشرع أطنابها ورغب العباد في فضلها العميم وفتح لهم بابها وجعلها كاشفةً للكروب الموجبة للحزن والضيق راشفة من خزائن ملكه ومعادن نصره كأس رحيق تصل بقوته وتقطع وتفرق بإرادته وتجمع ثم جعل المال نظام ملكها القويم وقوام سلكها النظيم به تمضي أوامره ونواهيه وتجري على السداد بما يحبه ويرضيه فتعين إعداد من يقيم بعزمه عمده ويقعد من أخذ منه بغير استحقاق ممن أقعد الدين زنده وقدر الله تعالى في هذا الوقت ما قضاه ونفذ حكمه فيمن خرج عن طاعته وأمضاه فلم تبق مملكةٌ إلا ومسها وأهلها الإضرار ولا بقعةٌ إلا ولحق أهلها بأس أولئك الفجار فأدرك اللطف الإلهي ممالك الإسلام وحل الركاب الشريف بأرض الشام فكان برداً وسلام ونجا المخلص وهلك الناكث الناكل بقدوم سلطان الإسلام خلد الله ملكه ليقذف بالحق على الباطل وأيد الله دولته الشريفة بعونه المتواصل‏.‏

وكان فلانٌ له مباشراتٌ عديدة وتأثيراتٌ حميدة وآخر ما كان في وظيفة شد الدواوين بطرابلس‏:‏ فباشرها مباشرةً جميلة الأثر مشكورة السير عند من ورد وصدر ودبر مهماتٍ يعجز عن حصرها أولو العقول والفكر وحصل للديوان المعمور أموالاً كالطوفان ولكن بلا غرق واستعجب منها كيف حصرتها الأقلام أو وسعها الوراق‏!‏ والذي كان بوظيفة الشد الآن فتعين إعادة الجناب الفلاني إليها ورسم بالأمر - لا زالت أيام دولته الشريفة تصلح الشان وتعيد الخير إلى ما كان - أن يستقر‏.‏

فليعد إليها عود الحسام إلى غمده والماء إلى منهل ورده وليباشرها بمباشرته المعروفة وعزائمه المألوفة وهممه الموصوفة مسترفعاً المتحصل ومصروفه وليتحقق أن الله تعالى سيصل رزقه فلا يوجس في نفسه خيفة وليجعل تقوى الله تعالى دأبه في كل قضية ثقيلةً كانت أو خفيفة والله تعالى يمده بألطافه المطيفة بمنه وكرمه‏.‏

وهذه نسخة توقيع بنقابة العساكر بطرابلس‏:‏ الحمد لله الأول بلا آخر الغني في ملكه عن الناصر المنزه في سلطانه عن المؤازر المتوحد بعدم الأشباه والنظائر المبيد لكل مظاهر بالعناد مجاهر العليم بما تكنه الأفكار وتجنه الضمائر الرقيب على كل ما تردد من الأحوال بين سوادي القلب والناظر‏.‏

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً خالصةً يرغم بها كل جاحدً وكافر وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث والشرك مدلهم الدياجر والرشد قد خيم عليه الضلال فما له من قوةٍ ولا ناصر فأقام به الدين الحنيفي النير الزاهر ورفع ذكره في سائر الأقطار والأمصار على رؤوس المنابر صلى الله عليه وعلى آله أهل المكارم والمآثر ما حمد السرى عند الصباح وبعد فإن أولى من سيقت إليه وفود النعم ومنح من الخيرات أجزل القسم وعدقت الأمور بعزائمه واعتمد على همته التي هي في المضاء كأسنته وصوارمه ورعيت عهود ولائه التي لا تنكر ووصفت مساعيه التي استحق أن يحمد بها ويشكر - من إذا عول عليه في المهمات كفاها وإذا استطبت المعضلات به شفاها وسارت أنباء مهابته غوراً ونجدا واتصف بحسن التدبير الذي عليه من الإقبال أكمل إجدا‏.‏

ولما كان فلانٌ هو الذي تناقلت تباشير أخباره الركبان وأثنى على شهامته السيف والسنان وشرفت بمحاسنه الأقلام وارتفع ذكره بالشجاعة على رؤوس الأعلام‏.‏

فلذلك رسم‏.‏

- لا زال للدين الحنيفي ناصراً وللأعداء قامعاً قاهراً وللحق مؤيداً باطناً وظاهراً - أن يستقر بالجناب العالي المشار إليه أمير نقباء العساكر المنصورة الطرابلسية عوضاً عمن كان بها على عادته وقاعدته‏:‏ لأنه الحبر الذي عقدت على خبرته الخناصر وورث الشهامة كابراً عن كابر وأضحى بتدبيره واضح الغرر شاهداً له به العين والبصر إن جال بين صفوف العساكر كان أسداً وإن رتب جيوشها أحصاها حليةً وعدداً‏.‏

فليباشر هذه الوظيفة محرراً أحوال العساكر المنصورة مقرراً لهم في منازلهم على أكمل عادةٍ وأجمل صورة بمناصحةٍ ضمخ بمسكها ومخالصةٍ قام مقام واسطة جوهر سلكها وملازمة خدمةٍ تأزرت بها أعطافه وصفاء طويةٍ شرفت بها أوصافه ومحبة عدلٍ جمع فيها بين قوله وفعله وأخلاص يحسن بالمرء أن يكون ملتحفاً بظله‏:‏ لكي يتم الله النعم عليه كما أتمها على أبيه منن قبله وليقصد رضا الله تعالى في هذا الأمر لا رضا زيدٍ ولا عمرو والله تعالى يتولاه فيما تولاه والاعتماد في ذلك على الخط الكريم أعلاه حجةٌ بمقتضاه إن شاء الله تعالى‏.‏

وهذه نسخة توقيعٍ بنقابة الأشراف بطرابلس بالمجلس السامي بالياء وكتب فيه القضائي على خلاف الأصل وهي‏:‏ رسم بالأمر - لا زال يرفع لذوي الأصالة الشريفة قدراً وينقلهم إلى الرتب السنية ويعلي لهم ذكراً ويشملهم من إحسانه بما يسر لهم قلباً ويشرح صدراً ويبلغهم من المآرب أوفاها ومن ملابس القبول أجملها وأسناها - أن يستقر فلانٌ - أدام الله نعمته - في نقابة السادة الأشراف بالمملكة الطرابلسية على ما تقدم من عادته في ذلك‏:‏ استقراراً جارياً فيه على أجمل العادات واعتماداً على ما عهد من سلفه الشريف الذات ورعايةً له في تجديد المسار وترجيحاً لما اشتمل عليه من حسن الكفاية في كل إيرادٍ وإصدار ورفعه ليده الباسطة على أبناء جنسه وتقويةً يجد أثرها في معناه وحسه رسماً بما يستوجب به النعم الجزيلة وولايةً توليه من الكرم سوله وعنايةً تصبح بها ربوع أنسه مأهولة لأنه أولى أن يقر في هذه الوظيفة ويزاد وأحق أن يرعى لما سبق له من السداد وأجدر أن لا يضاع حقه حيث له إلى ركن الشرف المنيف استناد‏.‏

فليباشر هذه الوظيفة المباركة مبسوطاً أمله في المزيد منوطاً رجاؤه في نعمنا باستئنافٍ وتجديد محوطاً ما بيده من كرمنا العديد وهو غنيٌّ أن نثني له الوصايا ونعيد مليٌّ بحسن السجايا التي جبلت على التحقيق والتوفيق والتسديد والله تعالى يطوق منن جودنا منه الجيد ويغدق له سحائب رفدنا التي تجريه على ما ألف من فضلها العديد والعلامة الشريفة - أعلاها الله تعالى - أعلاه حجةٌ بمقتضاه‏.‏

وهذه نسخة توقيعٍ بشد الشواني بطرابلس كتب به لعلاء الدين أيدغمش وهي‏:‏ رسم‏.‏

- لا زالت أيامه قائمةً بالجهاد في سبيل الله عز وجل وأعلامه حائمةً على التقاط مهج العدا في البر والبحر بما يقرب لهم الأجل - أن يستقر فلانٌ في شد الشواني المعمورة المنصورة على العادة في ذلك بهمته العلية وعزمته التي هي ببلوغ المقاصد ملية وشهامته التي ترهب العدا وشجاعته التي تلبسهم أردية الردى وبسالته التي تبسلهم في البحر فتصيرهم كالأسماك لا يسام لهم صدى‏.‏

فليجتهد في ذلك جد الاجتهاد وليعمد فيه السداد والسداد وليوقظ أجفان سيوفه من الغمض وليرهب العدا بشدة وطأته التي لها الثبات في الأرض وليلازم مواظبة الشواني ليلاً ونهاراً وليكن هو ومن حوله لمن بها أنصاراً والله تعالى يجزل له مباراً ويرفع له مقداراً بمنه وكرمه‏.‏

وهذه نسخة توقيعٍ بشد دار الضرب كتب به لعلاء الدين الدوادار وهي‏:‏ رسم‏.‏

- لا زال إحسانه يجود غماماً وفضله الشامل على الأولياء المتقين إماماً وسحائب بر كرمه هاميةً على أوليائه هاملةً على أصفيائه فتراهم يخرون للأذقان سجداً وينتصبون قياماً - أن يستقر المشار إليه في شد دار الضرب‏:‏ إعانةً له على الخدمة الشريفة وإرفاداً له بمعلومها إذ هي ليست له بوظيفة لأنه أكبر من ذلك قدراً وأحق بكل منزلةٍ عليةٍ وأحرى ولكن هذه الجهة هي قانون المعاملة وسكتها بشعار الملك متصلة وبين الحق والباطل فاصلة ومنها النقوش التي هي رستاق الأرزاق وصدر كل إطلاق وفنداق حكيمٌ ما أرسل في حاجةٍ إلا وأذن لها بالنجاح ولا استؤمن عليه امرؤٌ بإذن الإمام إلا وحق له الاتصاف بالصلاح والفلاح هذا وهو في الأصل مذموم وطالبه محروم‏:‏ لأنه مقسوم والأجل محتوم ولكن تطهيره من الدنس واجب والحسبة في عياره حتى يغدو وبودق صفائه من الغش ناضب‏.‏

فليعتمد المشار إليه في شد هذه الجهة حسن التقوى ويلاحظ بعزمه أمورها لتكون على السداد ويعتمد على السيد الناظر فإنه نعم العماد ويفوض إليه كشف الروباص وحك العيار فهو به أدرى وأحرى وأدرب بإدحاض غش الفساد وليتناول معلومه المقرر له عند الوجوب والاستحقاق هنياً ميسراً خالصاً من التنازع والشقاق ومثله فلا يدل على صواب‏:‏ إذ تقوى الله تعالى كلمة الفصل وفصل الخطاب والله تعالى يجعلها لنا وله زاداً وحرزاً وذخراً يوم المعاد وركزاً‏.‏

وهذه نسخة توقيع بشد البحر بمينا طرابلس وهي‏:‏ رسم بالأمر - لا زال سيفه قاطعاً من الأعداء نحراً وأمره نافذاً براً وبحراً وفعله صالحاً دنياً وأخرى - أن يستقر الجناب المشار إليه في شد مينا البحر بطرابلس‏.‏

فليباشر هذه الوظيفة شارحاً لها صدراً فاتحاً لها بحسن مباشرته الجميلة بصراً وفكراً باعثاً لها في الآفاق بمباشرته ذكراً جميلاً باحثاً عما يتعلق بمتحصل المينا المعمورة بكرةً وأصيلاً مسوياً بين الناس فيما رزق الله وفتح وبعث من فضله ومنح بحيث لا يقدم عزيزاً ولا يؤخر ذليلاً ولا يراعي في ذلك صديقاً ولا خليلاً‏.‏

وليقدم خوف الله تعالى على خوف خلقه وليسو بين الضعيف والقوي فيما بسط الله من رزقه وآكد ما نوصيه به تقوى الله تعالى فيما هو بصدده فليجعلها في أموره الباطنة والظاهرة من عدده والله تعالى يقدمه في مباشرته لاقتناء محاسن المعروف وزبده ويرزقه من الأجر على ما يعمله من الخير مع تجار هذا البحر بما هو أكثر من زبده‏.‏

توقيعٌ كريمٌ بنيابة اللاذقية من إنشاء القاضي تاج الدين بن البارنباري كتب به لشمس الدين ابن القاضي بالجناب العالي وهو‏:‏ الحمد لله الذي زاد شمس الأولياء إشراقاً ومنحه في هذه الدولة الشريفة إرفاداً وإرفاقاً وصان الثغور المحروسة بعزماته التي سرت قلوباً واقرت أحداقاً وجددت لأوليائها من مواهبها عطاءً وفاقاً‏.‏

نحمده على حكمه وفعله ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تمنح قائلها مزيد فضله ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الذي أيده الله بملائكته المقربين وشد أزره من أصحابه بالآباء والبنين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أئمة الدين صلاةً تمنح قائلها غرف الجنان ‏"‏ والعاقبة للمتقين ‏"‏ وسلم تسليماً كثيراً‏.‏

وبعد فإن من شيم هذه الدولة إذا بدأت تعود وإذا نظرت تجود وإذا قدمت ولياً لحظته بأعين السعود‏.‏

وكان الجناب العالي - أدام الله نعمته - عين القلادة وبيت السيادة ومعدن السعادة وأهلاً أن يدبر الأمور ويسد الثغور ونيابة اللاذقية مجاورة البحور وجزيرة العدو بينها وبينها نهارٌ فهي في أمرها له قاعدة في النحور وقد رأيناه أهلاً أن يصون نحرها ويتقلد أمرها ويحفظ برها ويدفع شرها‏.‏

فلذلك رسم بالأمر - أعلى الله تعالى شرفه - أن تفوض إليه نيابة اللاذقية المحروسة على عادة من تقدمه‏.‏

فليسر إليها سير الشمس في أبراج شرفها وليقبل عليها إقبال الدرة على الترائب بعد مفارقة صدفها وأول ما نأمره به‏:‏ إرهاب العدو بالعدة والعديد وإظهار المهابة في القريب والبعيد وتفقد الأيزاك بنفسه من غير اتكالٍ على سواه كما يفعل البطل الصنديد وليخلع عنه ملابس الوشي ويلبس الحديد وليهجر المضاجع ويتخذ ظهر جواده مستقره العتيد حتى ينتشر له صيتٌ بين أهل التثليث كما انتشر صيته بين أهل التوحيد‏.‏

وابسط بساط العدل ليطأه الموالي والعبيد واحكم بالحق فالحق مفيدٌ والباطل مبيد ومتى تسامع التجار بعدلك جاءوا بالأصناف والمتجر الجديد واركن إلى حكم الشرع الشريف فإنه يأوي إلى ركنٍ شديد واتق الله تجده أمامك فيما تروم وتريد تمسك بالسيرة الحسنة يزدك الله رفعةً وأنت أحق بالمزيد وعقبها نستنجز لك تشريفاً شريفاً مقروناً بتقليدٍ أعظم من هذا التقليد والخط الكريم أعلاه حجةٌ به إن شاء الله تعالى‏.‏

توقيعٌ بنيابة قلعة حصن الأكراد كتب به لشهاب الدين أحمد الناصري وهو‏:‏ الحمد لله الذي أطلع في سماء الدين شهاباً وفتح لمن خافه واتقاه إلى الخيرات أبواباً وحباه من إفضاله وألبسه من حلل إنعامه ونعمائه أثواباً‏.‏

نحمده على نعمه التي أجزل لنا بمزيد حمدها أنعماً وثواباً ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نتخذها من النار حجاباً ونعتد بها في الآخرة مفازاً حدائق وأعناباً وكواعب أتراباً ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي شرفه على الأنبياء منصباً ونصاباً وسبى بطلعته وطليعته قلوباً وأحزاباً وقربه إلى أن كان قاب قوسين وأسمعه من لذيذ كلامه خطاباً صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه‏:‏ أكرم به وبهم آلاً وأصحاباً وسلم تسليماً كثيراً‏.‏

وبعد فإن أولى من انتدب لحفظ المعاقل الإسلامية وانتخب وأحرى من لحظته عين عنايتنا فكان إليها من العين أقرب وأحق من اعتمد على بسالته وإيالته بما سبر من الأنام والأيام وجرب - من عرف بشجاعةٍ أين منها عمرو بن معدي وأمانةٍ كفت حين كفت كف التعدي وعفةٍ جعلها في أحواله كلها نصب العين وسياسةٍ ما زال يصلح بها بين ذوي المشاققة ذات البين وكان فلذلك رسم بالأمر - لا زال يطلع في آفاق الحصون المصونة شهاباً ويرفع الأولياء بإحسانه الذي يؤكد لهم في جوده أسباباً - أن يستقر المجلس العالي نائباً بقلعة حصن الأكراد المحروس وأعمالها على عادة من تقدمه ومستقر قاعدته‏.‏

فليباشر ما وليناه وأوليناه مباشرةً تسفر عن حسن فطنته وذكائه وتضيء الآفاق بنور شهابها وسنائه وتظهر معروفها المعروف بعدم غيبته وخفائه معتمداً على الله تعالى في إبدائه وإنهائه شارحاً لكل قلبٍ ألانه إحسانه بعد غلظته وجفائه مانحاً من بحر جوده وعدله بالدر لا بجفائه مكرماً لمن بهذا المعقل‏:‏ من أمرائه وأجناده وأغنيائه وفقرائه مقيماً لمنار الشرع الشريف الذي لا تستقيم الأمور إلا بمتابعته وإبدائه وليظهر من شجاعته وبسالته ما لا فائدة في خفائه وليشهر سيفه في وجه من أظهر حيفه وعدم خوفه من سطوة ربه وكرمائه‏.‏

وأعظم ما نوصيه به التقوى فإنه بملازمتها يقوى على دفع الشر وفعل الخير وإسدائه والوصايا كثيرةٌ وهو المجرب بالعمل بها لمن يرغب في استيلائه والله تعالى يحرق بشهاب عدله كل متمرد‏.‏

واعلم أنه ربما كتب توقيع نائب حصن الأكراد مفتتحاً بأما بعد حمد الله‏.‏

وهذه نسخة توقيعٍ بنيابة حصن الأكراد كتب به باسم شهاب الدين الجاكي بالجناب العالي أما بعد حمد الله الذي جعل شهاب الدين يتنقل في مطالع سعده وجدد أثواب النعماء لمن قدمت هجرته وظهر خيره فأنجز له الإقبال صادق وعده وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تبلغ قائلها إنالة قصده وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أيده الله بنصرٍ من عنده صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين كانوا من أنصاره وجنده صلاةً دائمةً يبلغ المؤمن بها غاية رشده وسلم تسليماً كثيراً - فإن أولى من شمله إحسان هذه الدولة الشريفة ونوله مراده وأجزل عليه النعم فكان أحق بها لحسن طويته فأجراه الله على أحسن عادة وبلغه غاية القصد ومعدن السعادة - من سلك مسالك الأمناء الثقات واشتهرت عنه العفة وحسن الصفات فتعين تقديمه وتقريبه إلى أجل ولايات الفتوحات‏.‏

ولما كان فلانٌ - أدام الله عزه وأنجح قصده - هو المنعوت بصفات السداد المشهور بالنهضة والشجاعة في هذه البلاد الذي حوى المكارم والإفضال ووافق خبره خبره في سائر الأحوال‏.‏

فلذلك رسم بالأمر - لا زال شهاب فضله ساطعاً ونور إحسانه لامعاً - أن يستقر المجلس العالي الشهابي المشار إليه في ولاية الأعمال الحصنية والمناصف عوضاً عمن بها على عادته وقاعدته‏:‏ لأنا وجدناه شمس أعيان الأماثل وألفيناه قليل النظير والمضاهي والمماثل وعليه عقدت الخناصر واتفقت الآراء الثاقبة في الباطن والظاهر ولما جمع من كرم الشيم وجميل فليتوجه إلى محل ولايته وليظهر ما أكمنه من العدل والإنصاف في ضمائره بحسن سياسته ولينصف المظلوم ممن جار عليه واعتدى ويتبع في ذلك ما يوضح له من طريق منار الهدى وليبسط المعدلة ويمد باعه وليبد الظلم ويقصم ذراعه وليصرف همته في عمارة البلاد وتأمين العباد وسلوك سبل الرشاد وليجتهد في سد الخلال وإصلاح ما فسد بغيره من الأحوال وليجعل تقوى الله محجته واتباع العدل حجته وسلوك الحق عدته فقد جاءت التقوى في التنزيل مؤكدة ووردت في كثيرٍ من السور مرددة والله تعالى يعينه على ما ولاه ويحرسه ويتولاه بعد الخط الكريم أعلاه‏.‏

وهذه نسخة توقيع بنيابة قلعة المرقب والولاية بها كتب به لصلاح الدين خليل بالجناب العالي وهي‏:‏ الحمد لله الذي جعل هذه الدولة الشريفة مقرونةً بالتأييد والنجاح ووفق أولياءها إلى سلوك سبل السعادة وشيدها بالصلاح وخولهم في أيامها المراتب العلية ليبتهلوا بأدعيتهم وبدوامها في المساء والصباح‏.‏

نحمده على نعمه التي لا يبرح مخلصها في ازديادٍ وارتياح ونشكره على آلائه شكراً نستحق به المزيد كما أوضح في القرآن أكمل إيضاح ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً معلنةً بالفلاح وأن محمداً عبده ورسوله الذي أنزل عليه في محكم كتابه العزيز‏:‏ ‏"‏ الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاةٍ فيها مصباحٌ ‏"‏ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الغر الكرام الأشباح ما ترنم طائرٌ على غصنٍ وحيعل الداعي إلى الفلاح وسلم تسليماً كثيراً‏.‏

وبعد فإن أولى من عدقت به نيابة أجل المعاقل والثغور وفوضت إليه وعول في حفظها ومباشرتها الحسنة الجميلة عليه - من عقدت على حزمه الخناصر وورث الشجاعة والشهامة كابراً عن كابر وهو الذي نما فرعاً وزكا أصلاً وفاق في المكارم على نظرائه قولاً وفعلاً فأضحى وافر الثناء واضح الغرر شاهداً له به العين والبصر‏.‏

ولما كان فلانٌ هو المنعوت بهذه الصفات والموصوف في مواقف الحروب بما لديه من الثبات والوثبات المشكورة خدمته شاماً ومصراً المشهورة بين الهمم همته براً وبحراً‏.‏

فلذلك رسم‏.‏

لا زالت مراسيمه الشريفة مبثوثةً بالعدل والإحسان ومعدلته تستدعي بدوام دولته الشريفة لسان كل إنسان - أن تفوض إليه نيابة قلعة المرقب المحروس والولاية بالأعمال الشرقية وما هو منسوب إليها على العادة في ذلك ومسقتر القاعدة‏:‏ إذ هو أحق بها وأهلها وأكمل من يجمع شتات شملها‏.‏

فليباشر ما ندب إليه من هذه الجهات مباشرةً تقصر الأفكار عن توهمها والأبصار عن توسمها والخواطر عن تخيل مبناها والأذهان عن تمثل صورتها ومعناها وليكن لمصالحها متلمحاًن ولأحوال رجالها متصفحاً ولأقدار جهاتها مربحاً وللخواطر بأداء أحوالها على السداد مريحاًن ولوظائفها مقيماً وللنظر في الكبير والصغير من مصالحها مديماً ولحرمتها مضاعفاً وعلى كل ما يتعين الاحتفال به من مهماتها واقفاً ويعد للعدو المخذول عند تحركه العزم الشديد ويهجر لبس الوشي ويتألف لبس الحديد ويتخذ ظهر جواده مستقره العتيد ويشمر للجهاد ذيلاً ومعاذ الله أن يميل عنه ميلاً ويبسط العدل للرعية ويعاملهم المعاملة المرضية ويحسن إلى الأمراء البحرية ويلاحظ مصالحهم في كل قضية ويتفقد الرجال وأرباب الأدراك والشواني ويحذرهم من الإهمال ويأمرهم باليقظة والاحتراز في الليل والنهار وسائر الأحوال وليعمل ما يحتاج إليه من آلات الجهاد وليكن على حذر مما يتجدد كل يوم وليوقع الرهبة في قلوب الأعداء بخيله في اليقظة وخياله في النوم ويتفقد المواني في سائر الأوقات في الليل والنهار وليحذر أمراء الأيزاك من الغفلة فإن الغافل لا يزال على شفا جرفٍ هارٍ‏.‏

وليتق الله في أقواله وافعاله‏.‏

والوصايا كثيرةٌ وهو أدرب بها وأدرى وأبواب الخيرات واسعةٌ وهو إليها أسرع وأجرى وليشكر الله تعالى على ما ولاه والاعتماد على الخط الكريم أعلاه‏.‏

وهذه نسخة توقيع بنيابة حصن عكار كتب به لناصر الدين الكردي بالجناب العالي وهي‏:‏ الحمد لله الذي نصر هذا الدين الحنيفي بسيد البشر وخص هذه الدولة الشريفة بالتأييد والظفر ووافى الأولياء بجودها الذي لم يزل من ذمة الوفاء ينتظر‏.‏

نحمده على منه الذي طالما بدا في جبهات الأولياء بشره وظهر ونشكره على جوده الذي أغنى عن التحجيل والغرر ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تنجي قائلها يوم الفزع الأكبر ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أقام الله بسيفه الإيمان فاشتهر وكف به يد الطغيان وزجر صلى الله عليه وعلى آله ما اتصلت عينٌ بنظر وأذنٌ بخبر وسلم تسليماً كثيراً‏.‏

وبعد فإن أولى الأولياء بالمناصب من رعيت له خدمٌ عديدة وعرفت له في أجل الثغور مباشراتٌ سعيدة واشتهرت شهامته وكفايته في الآفاق وظهرت أمانته ظهور الشمس في الإشراق وتقدم بذلك على نظرائه وفاق‏.‏

ولما كان الجناب العالي هو المنعوت بهذه الصفات الجميلة والمحتوي على هذه المزايا الجليلة الذي شاعت شجاعته مع طهارة يد - ولا عجب فإن هذا الشبل من ذاك الأسد - وسارت الركبان في الممالك بنهضتهما في المباشرات وسد الخلل في المهمات المعضلات‏.‏

فلذلك رسم‏.‏

- لا زالت أيامه مبثوثةً بالعوارف والإحسان ومعدلته تستدعي بدوام دولته الشريفة لسان كل إنسان - أن تفوض إليه نيابة قلعة حصن عكار المحروس على فليقدم خيرة الله تعالى ويتوجه إليها ويصرف وجه الإقبال عليها وينظر في عمارتها ومصالحها ويستدرك ما استهدم من بيوت حواصلها وليصبح وجه هذا الثغر بحلوله به باسماً وينشر له من حسن تدبيره وجميل تأثيره علماً وليحسن إلى الأمراء البحرية وينزلهم منازلهم على العادات المرضية وليعدل في الرعية وينصف المظلوم من الظالم في كل قضية ويلزم أرباب الوظائف من المقدمين والرجالة بالخدمة بالنوبة على العادة ويوصل إليهم معلومهم من جهاتهم المعتادة ويتبع الحق المحض في كل أمر لا يقتدي برأي زيد ولا عمرو وليعلم أنه مطالبٌ بالعدل في وظيفته فإن كل راعٍ مسؤولٌ عن رعيته والوصايا كثيرةٌ ومعظمها تقوى الله في سائر الأمور‏:‏ فليتمسك بها يقوى فإنها السبب الأقوى والله تعالى يتولاه في السر والنجوى بعد الخط الكريم أعلاه‏.‏

وهذه نسخة توقيعٍ بنيابة بلاطنس بالجناب العالي وهي‏:‏ الحمد لله الذي أسبغ نعمه على أوليائه وأجزل كرمه على أصفيائه ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تنجي قائلها من وبيل العذاب وتجدد له أسباب السعادة في الدنيا ويوم الحساب ونشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث بالنور المبين المخصوص بالدين المتين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأهله وأصفيائه وأترابه‏.‏

وبعد فأن القلاع المنصورة مما يتعين الاحتفال بأمرها والاهتمام بحفظ رجالها في سرها فلذلك رسم‏.‏

- لا زالت صدقاته تشمل كل أوحد وتجبر كل وليٍّ أمجد - أن يستقر‏.‏

إذ هو الخبير الذي ليس لمعرفته نظير والضابط الذي يحاقق على الجليل والحقير والنقير والقطمير والشجاع الذيهو في يوم النضال على أخذ العدو لقدير والضرغام الذي أعطاه الله القوة والمعرفة التامة فهو بهما جدير‏.‏

فليسر إلى الثغر المحروس ويعتمد في أموره ما هو فيه من الخبرة مغروس‏.‏

وهذه نسخة توقيع بتقدمة العسكر بجبلة كتب به لصلاح الدين الحافظي بالجناب العالي وهي‏:‏ الحمد لله الذي جعل هذه الدولة الشريفة تنقل كل وليٍّ إلى درجات سعده وتؤكد أسباب الارتقاء لمن حمدت مآثره وحسنت سيرته في اليوم والذي من بعده وتجدد أثواب النعماء لمن ظهر خيره وخبرته فأنجز له الإقبال صادق وعده‏.‏

نحمده على نعمه التي أجزلت لمستحقها مواهب رفده ونشكره على مننه التي خصت كل كافٍ بتأثيل مجده ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً يبلغ بها قائلها غاية قصده ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الذي أيده الله تعالى بنصرٍ من عنده وآمنه على وحي الرسالة فنصح الأمة غاية جهده صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذي كانوا من أنصاره وبعد فإن الجناب العالي لما تقدمت له مباشرات في أجل الولايات وأحسن النيابات وهو يسير في كل منها أجمل سير ويحسن إلى رعيتها فلا غرو أن يذكروه بكل خير كم قام بمهمات من غير عسف أهل البلاد وكم أعان الديوان المعمور من غير ضررٍ للعباد وكم ميز أموالاً فكانت أيام مباشراته أعياد وكم له من خدم سار بها الركاب وبلغ بها المراد وكم أثنى عليه لسان القلم حتى نفد المداد وكم وصفت هممه وحسن تأتيه في كل توقيع وتقليدٍ على أن الكاتب ما زاغ عن الحق ولا مال عن الصدق فيها ولا حاد‏.‏

فاقتضى محمود رأينا الذي ما برح بعون الله يصيب وجميل فكرنا الذي ما دعوناه لأمرٍ إلا وبالإصابة بحمد الله يجيب أن نعين له وظيفةً نريحه فيها من التعب ونوفره من تبعات الطلب وكان من تقدمة العسكر بجبله يعتريه ألمٌ يعوقه عن الركوب في الخدم الشريفة والنزول سيما في هذا الوقت الذي فيه يتحرك العدو المخذول‏.‏

فلذلك رسم‏.‏

- لا زالت أيامه الشريفة تيسر أسباب النجاح وعوارفه تطوى لها أرض البعد عن أوليائها كما تطوى لذي الصلاح - أن يستقر الجناب‏.‏

في تقدمة العسكر المنصور بجبلة على عادة من تقدمه وقاعدته‏.‏

فليباشرها مباشرةً تليق بشجاعته وتعهد من حسن سياسته وليكرم الشرع الشريف وليردع من يحيد عن الحق أو يحيف وليجمع الأمراء المقدمين والحلقة المنصورة على الركوب في الخدمة الشريفة وليشكر نعمة الله تعالى المطيفة وليتيقظ لردع العدو المخذول وليعلم أننا استرعيناه أمر ذلك وكل راعٍ مسؤول وليتحقق أن العدو المخذول طالبٌ للهالكين منهم بالثار وهم قاصدون جبلة فلتكن عنده يقظةٌ واستبصار وليرتب الأيزاك وليعمر المواني بالرجال ويتفقدهم في الليل أكثر من النهار وليهجر النوم في طلب الظفر والمنى فمن سهر لذلك ما خاب ولا يأمن مكيدتهم ويغتر بهم فيقول‏:‏ قد ضرب بينهم وبينها بسورٍ له باب وباقي الوصايا فهو بها أعلم ولم يبرح متلفعاً بثوبها المعلم وملاكها تقوى الله تعالى فمن لم يعمل بها يأثم ومن تركها يندم ومن لزمها فهو في الدارين مقدم والله تعالى يتولاه والاعتماد على الخط الكريم أعلاه إن شاء الله تعالى‏.‏

واعلم أنه ربما افتتح توقيع مقدم العسكر بجبلة بأما بعد حمد الله‏.‏

توقيعٌ بتقدمة العسكر بجبلة مما كتب به لحسام الدين العلائي بالجناب العالي وهو‏:‏ أما بعد حمد الله على نعمه التي تجزل لكل ولي من مواد فضلها إنعاماً وتمنح من عوارفها أقساماً وتبلغ من النجح لذوي الاستحقاق آمالاً وتجعل في نحور الباغين حساماً والشهادة له بالوحدانية التي لم تزل للأولياء المتقين لزاماً وترفع لهم في الجنات مقاماً والصلاة على سيدنا محمدٍ الذي محا الله بنبوته عن الأمة المحمدية آثاماً وشرفه على سائر خلقه وجعله للأنبياء ختاماً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين ظافروه وبايعوه دهوراً وأعواماً صلاةً دائمةً تزيد مرددها عزاً وإكراماً - فإن الاهتمام بكل جهةٍ هو على قدرها والعناية بقطرها‏.‏

ولما كانت مدينة جبلة المحروسة مخصوصة بمقام بركات السيد السند الزاهد الذي ترك الدنيا والأهل والولد والولي المبرز في عبادة الخالق والمتوكل الذي لم يدخر قوت ساعةٍ لساعةٍ اعتماداً على الرزاق - تعين النظر في أمرها وحفظها من العدو المخذول وإن كان بهذا السيد السند قد تبين حفظها وكان فلانٌ ممن باشرها فأحسن فيها المباشرة وكلأ حفظها بيقظته وعينه الساهرة - اقتضى رأينا أن نعيده إليها ونسبغ ظله عليها‏.‏

فلذلك رسم بالأمر - لا زال حسامه قاطعاً من الأعداء نحراًن وفعله صالحاً دنيا وأخرى - أن يعاد المشار إليه إلى تقدمه العسكر المنصور بجبلة المحروسة عوضاً عمن بها وعلى عادته وقاعدته‏.‏

فليعد إليها عود الحسام إلى غمده والماء إلى منهل ورده وليقدم خيرة الله في المسير إليها وليبسط العدل ليأمن أهلها بقدومه عليها وليكرم من بها من العسكر المنصور ويحسن إلى الرعية بها ليصبح خير مشكور ولينصف المظلوم ممن ظلمه وينشر للشرع الشريف علمه وليخلص الحق من القوي والضعيف والدني والشريف وليلزم من بهذا الثغر بعمل اليزك المعتاد والتيقظ لأمر العدو المخذول ومضاعفة الاجتهاد وليلازم تقوى الله تعالى في الأقوال والأفعال والله تعالى يمنحه من فضله ما يرجو من الآمال‏.‏

وهذه نسخ تواقيع لأرباب الوظائف الدينية بطرابلس‏.‏

توقيعٌ بنظر الحسبة بطرابلس كتب به للقاضي ناصر الدين بن شيصة وهو‏:‏ الحمد لله مبشر الصابرين وموصل الأرزاق على يد أصفيائه من العالمين ومعيد كل وليٍّ إلى منصبه ولو بعد حين‏.‏

نحمده على فضله المبين ونشكره على أن جعلنا من عباده المؤمنين ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً ندخرها ليوم الدين ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الصادق الوعد الأمين الذي أرسله بواضح الحجج ومحكم البراهين وأنزل عليه كتاباً عربياً مبين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الغر المحجلين صلاةً مستمرةً على ممر الأيام والشهور والسنين وسلم تسليماً كثيراً‏.‏

وبعد فإن أولى من غزرنا مواد رفده وأجزلنا له حظوظ سعده وبلغناه من إقبالنا غاية قصده وحمدنا تصرفه من قبل عندما رسم لما جدد من بعده وأعدناه إلى رتبة ألفت منه حسن السياسة والتدبير وعرف فيها بالكفاية والصيانة ويمن التأثير - من له ولسلفه في المباشرات الجليلة يد طولى فكان بوظيفته أحق وأولى‏.‏

ولما كان المجلس العالي هو المتصف بصفات الكمال المشكور في سائر الأحوال فلذلك رسم بالأمر - أنفذه الله في الآفاق وأجراه بصلة الأرزاق - أن يعاد فلانٌ - أدام الله نعمته - إلى نظر الحسبة الشريفة بالمملكة الطرابلسية على عادته وقاعدته مضافاً إلى ما بيده من بيت المال المعمور‏:‏ لأنه الفاضل الذي لا يجارى والعالم بأحوال الرعية فلا يناظر في ذلك ولا يمارى والفيلسوف الذي يظهر زيف كل مريب والنحرير الذي بخبرته يسر كل حبيبٍ ولبيب‏.‏

فلينظر في الدقيق والجليل والكثير والقليل وما يحصر بالمقادير وما لا يحصر وما يؤمر فيه بمعروفٍ أو ينهى عن منكر وما يشترى ويباع وما يقرب بتحريره إلى الجنة ويبعد عن النار ولو لم يكن قد بقي بينه وبينها إلا قدر باعٍ أو ذراع وكل ما يعمل من المعايش في نهارٍ أو ليل وما لا يعرف قدره إلا إذا نطق لسان الميزان أو تكلم فم الكيل وليعمل لديه معدلاً لك عمل وعياراً إذا عرضت عليه المعايير يعرف من جار ومن عدل وليتفقد أكثر هذه الأسباب ويحذر من الغش‏:‏ فإن الداء أكثره من الطعام والشراب وليتعرف الأسعار ويستعلم الأخبار من كل سوقٍ من غير إعلام لأهله ولا إشعار وليقم عليهم من الأمناء من ينوب عنه في النظر ويطمئن به إن غاب أو حضر ودار النقود والضرب التي منها تنبث وقد يكون فيها من الزيف ما لا يظهر إلا بعد طول اللبث فليتصد لمهمها بصدره الذي لا يحرج وليعرض منها على المحك من رأيه ما لا يجوز عليه بهرج وما يعلق من الذهب المكسور ويروبص من الفضة ويخرج وليقم الضمان على العطارين والطرقية في بيع غرائب العقاقير إلا ممن لا يستراب فيه وهو معروف وبخط طبيبٍ ماهرٍ لمريض معينٍ في دواء موصوف والطرقية وأهل النجامة وسائر الطوائف المنسوبة إلى ساسان ومن يأخذ أموال الرجال بالحيلة ويأكلهم باللسان وكل إنسان سوءٍ من هذا القبيل هو في الحقيقة شيطانٌ لا إنسان فامنعهم كل المنع واصدعهم مثل الزجاج حتى لا ينجبر لهم صدع وصب عليهم النكال وإلا فما تجدي في تأديبهم ذات التأديب والصفع ومن وجدته قد غش مسلماً أو أكل بباطلٍ درهماً أو أخبر مشترياً بزائد أو خرج عن معهود العوائد أشهره بالبلد وأركب تلك الآلة قفاه حتى يضعف منه الجلد وغير هؤلاء من فقهاء المكاتب وعالمات النساء وغيرهما من الأنواع ممن يخاف من ذئبه العائث في سرب الظباء والجآذر ومن يقدم على ذلك أو مثله وما يحاذر ارشقهم بسهامك وزلزل أقدامهم بإقدامك ولا تدع منهم إلا من اخترت أمانته واختبرت صيانته والنواب لا ترض منهم إلا من يحسن نفاذاً ويحتسب لك أجر استنابته إذا قيل لك‏:‏ من استنبت فقلت‏:‏ هذا وتقوى الله هي نعم المسالك وما لك في كل ما ذكرناه بل أكثره إلا إذا عملت فيه بمذهب مالك والله تعالى يسددك ويرشدك ويوفقك إلى أحسن المسالك‏.‏

توقيعٌ بالخطابة والإمامة بالجامع المنصوري بطرابلس كتب به للخطيب جمال الدين إبراهيم بالمجلس السامي بغير ياء وهو‏:‏ رسم بالأمر الشريف - لا زال عود منابر الإسلام بماء إحسانه رطيباً وبرد شعائر الدين الحنيفي في أيامه الزاهرة قشيباً ومواهبه ومناقبه تقيم لممادحه في كل وادٍ شاعراً ولمحامده في كل نادٍ خطيباً - أن يرتب المجلس السامي الإمام العامل - رحم الله تعالى السلف وزاد مجد الخلف - خطيباً وإماماً بالمسجد الجامع المعمور المنصوري بطرابلس المحروسة عوضاً عن فلان وعلى عادته وقاعدته وبمعلومه الشاهد به الديوان المعمور المستقر باسمه إلى آخر وقت‏:‏ رعاية لأهليته الواضحة الدلائل وفضيلته الناطقة الشواهد الصادقة المخايل وأوصافه الجميلة التي بها تعرف من أبيه الشمائل ولأنه الصدر ابن الصدر النجيب والخطيب الإمام ابن الإمام الخطيب والولد النجيب الذي حذا حذو والده في الصلاح ما خاب ولا يخيب والنجل النبيه المهذب الذي أشبه أباه في الدين والورع‏:‏ ومن أشبه أباه فما ظلم في النباهة والتهذيب‏.‏

فليباشر هذه الخطابة والإمامة التي هو ابن جلاها وطلاع ثناياها زائناً حلاها زائداً علاها وليرق ذروة هذا المنصب الذي هو أعلى المناصب الدينية وليتلق نعم الله عز وجل بالشكر الذي يوجب المزيد ويكسب المزية وليقم مقام والده في هذه الرتبة السنية بإخلاص العمل وصدق النية مجلياً في مضمار البيان الذي سلمت إليه أعنته وألقيت إليه أزمته محلياً بقلائد المواعظ وفرائد الأمثال أعواد المنبر الذي لو أمكنه لسعى إليه مشنفاً الأسماع بجواهر الأوامر وزواهر الزواجر التي يصدع بها عليه‏.‏

وليسر كسيرة والده في الطريقة المثلى وسلوك المنهج الأسد وليجتهد في إحياء رسومه في العبادة واقتفاء آثاره في العلم والزهادة حتى يقول الناس‏:‏ هذا الشبل من ذاك الأسد جارياً على أفضل العوائد في ديانته سارياً بأجمل القواعد من صيانته وليوصل إليه معلومه الشاهد به الديوان المعمور المستقر إلى آخر وقتٍ على عادة من تقدمه وقاعدته‏:‏ لاستقبال مباشرته أحيان الوجوب وأزمان الاستحقاق رزقاً داراً ساراً هنياً مرضياً من غير تنغيص ولا تنقيص والاعتماد على العلامة الكريمة أعلاه وثبوته إن شاء الله تعالى‏.‏

وهذه نسخة توقيعٍ بخطابةٍ كتب به للشيخ صدر الدين الخابوري بالمجلس السامي بالياء وهي‏:‏ رسم‏.‏

- لا زالت أيامه الشريفة تضع الأشياء في محلها وتفوض المناصب المنيفة إلى أهلها وتشرف صدور المحافل بصدر العلماء في حزنها وسهلها - أن تفوض إلى فلان الخطابة بالجامع الناصري المعروف بجامع التوبة بطرابلس المحروسة وجوباً وتعيناً اقتضى في تقدم الفاضل على المفضول تيقناً وتبيناً لأنه الحبر الذي لا يجارى في فضائله والبحر الذي يجود فيجيد بفواضله والصدرالذي ملئت بفوائده وفرائده بزمانه محافل صدوره وصدور محافله كم نطقت ألسن الأقلام بأفواه المحابر بفضله في الأقاليم والآفاق وكم من عبارة بفصاحةٍ وبلاغةٍ حققت أنه بها فات الفصحاء والبلغاء وفاق لقد أصبح شمل هذا الجامع بهذا الفاضل الذي طال ارتقابه له جامعاً وأمسى وقد ظفرت يمناه من اليمن به والبركة بما لم يكن بشيءٍ منه في مثل هذه الأيام طامعاً فلذلك بادر منبره المنيف وحل له حقوته مسارعأً ووطأ - لامتطائه إياه - صهوته وغفر للدهر بهذه الحسنة الجميلة فيما سلف منه هفوته وعلم أنه الخطيب الذي استقر يطالع المنابر من خطبته بما يفجر من العيون منابع المدامع ويشوق إلى الآخرة من ألفاظٍ يشنف بها المسامع وأن قساً لا يقاس به في خطبه وعظاته وأن سحبان يود من خجله أن يسحب ذيله على مآثره المأثورة عنه ليعفي آثار فلتات كلماته ولفتات لفظاته‏.‏

فليباشر هذه الوظيفة المباركة بالله تعالى مذكراً ولما أمر عباده ونهاهم عنه على أسماعهم مكرراً ويعلم أنه في المحراب مناجٍ لربه واقفٌ بين يدي من يحول بين المرء وقلبه فليعتصم بالله وفي إحاطة علمه المشهور وفضله المشهود المشكور ما يغني عن وصيةٍ بها يتذكر وتذكرة في صحيفة فكره ترقم وتسطر وليوصل إليه معلومه على هذه الوظيفة الشاهد به الديوان المعمور وليوفر خاطره من التبذل في تحصيل معلومه الجاري له وطلبه وليعامل بما يليق من الإجلال والإعظام بوظيفته الشريفة والمحلالعالي الرفيع من منصبه والعلامة الكريمة أعلاه حجةٌ بمقتضاه إن شاء الله تعالى‏.‏

وهذه نسخ تواقيع لأرباب الوظائف الديوانية بطرابلس‏:‏ نسخة توقيع بشهادة الجيوش بطرابلس كتب به للقاضي بدر الدين محمد بن الفرفور ووالده يومئذ ناظر الجيوش بها بالمجلس العالي وهي‏:‏ أما بعد حمد الله الذي زين سماء المعالي ببدرها وأنبت في رياض السعادة يانع زهرها ورفع المناصب السنية إلى شرف محلها ومحل شرفها ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً خالصةً في قولها وفعلها وأن محمداً عبده ورسوله أرسله بالملة الحنيفية قائماً بفرضها ونفلها آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر مبلغاً لرسالات ربه كلها صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاةً لا ينحصر عددها ولا ينقضي أمدها وسلم تسليماً كثيراً - فإن أولى من خطبته المناصب من هو أحق بها وأهلها وله فيها نسبةٌ لا ينكر فضلها ومباشراتٌ في الممالك ولما كان فلانٌ - حرس الله جنابه وأسبغ ظل والده - هو المعني بهذه الإشارة وشمس هذه الهالة وبدر هذه الدارة‏.‏

فلذلك رسم‏.‏

- زاده الله تعالى عظمةً وشرفاً ومنحة في الجنان قصوراً وغرفاً - أن يستقر‏.‏

إقراراً لعين والده وجمعاً له بين طريف السعد وتالده لأنه النبعة التي نشأت في رياش السيادة والزهرة التي برزت في كمام السعادة فلا يزال فرعه - إن شاء الله - بسعادة هذه الدولة الشريفة ينمي إلى أن يتأصل وزهرته تزهى إلى أن تبلغ الإثمار وتتوصل‏.‏

فليباشر هذه الوظيفة المباركة مباشرةً تظهر فيها كفايته عند الانتقاد وتحمد فيها عقبى الاختيار والاختبار والرشاد وليسلك في أمانته سنن أبيه - أسبغ الله ظله - التي أحكمها في كل ما أبدى وأعاد ويتبع طرقه الهايدة إلى سبيل السعادة والإرشاد ويبد ما اكتسبه من والده عن سلفه من هذه الصناعة وهو أحق بهذا السند ولا يخرج عن رأي أبيه - أيده الله - حتى يقول الناس‏:‏ هذا الشبل من ذاك الأسد وليشمر في تحصيل الفضائل التي تبلغ بها الآمال وتصلح الأحوال وليتلق هذه المباشرة بعزمه الشديد بنفسه لا بالتقليد فإنه شاهدٌ ومسؤول بقوله يوفق في الاستحقاق وفي النقود والكيول وتقوى الله هي السبب الأقوى فليتمسك بحبلها يقوى والوصايا كثيرةٌ في ذلك ووالده بها أعلم والله تعالى يسلكه سبيل الهدى فإنه أنجح الطرق وأسلم والله تعالى يتولى عونه ويديم صونه والاعتماد‏.‏

توقيعٌ بكتابة الدرج بطرابلس كتب به بالمجلس السامي بالياء وهو‏:‏ رسم بالأمر الشريف - لا زالت مراسمه العالية تطلع في أفلاك المعالي بدراً منيراً هادياً إلى الفضائل مأموناً من السرار ومكارمه الوافية ترفع من أعلام المعاني صدراً كبيراً رشيداً في البيان أميناً على الأسرار ومراحمه الكافية تقر عيون الأعيان والأخيار - أن يرتب فلانٌ - ضاعف الله تعالى أنوارفضائله التي يأتم بها المستضيء والمهتدي ويعشو إلى قراها المستعين والمقتدي - في كتابة الدرج السعيد بطرابلس المحروسة بما قرر له من المعلوم الوارد في الاستئمار الشريف على ما يتعين بقلم الاستيفاء جهته ويبين تفصيله وجملته نظراً إلى استحقاقه الظاهر وفضله الباهر وبلاغته التي أفصحت عن بيان البليغ القادر وفصاحته التي بلغت الكمال بعون الملك القادر وإطرابه في إطنابه وإعجازه في إيجازه فله في الدلائل قدرة المنصور وفي الفضائل قوة الناصر طالما أزهر بقلمه المهدي للصواب السفاح كالسحاب روض العلوم والآداب وأظهر ببيانه المنتصر في الخطاب المقتدر على الاقتضاب طرق الفنون واضحة العيون محكمة الأسباب وسبل الحكم مفتحة الأبواب فهو بالسنا والسناء بدر المسترشد وبالجدا والجداء عز المستنجد وبفرط الحيا والحياء سحاب المستمطر والمستظهر وبغرب الذكا والذكاء برق المستبصر والمستنصر‏.‏

فليباشر هذه الوظيفة المباركة معتصماً بحبل التقوى مستعصماً من المراقبة بالسبب الأقوم الأقوى مجدداً رسوم هذه الصناعة التي ربعها قد درس ومحلها قد أقوى فإن المتقي لله الراضي به هو الراشد الفائز بالسعادة والمتوكل عليه المطيع له هو الواثق ببلوغ القصد الحائز للارادة وليطرز حلل البيان بوشي بنانه الذي أصبح ديباج الطرس به معتزا وليقوم معاني البديع بعامل قلمه الخطي الذي أمسى الفضل به كالسمهري قائماً مهتزا مستكفياً بما يصرعه ويرصعهنظماً ونثراً من البدائع مستعلياً لما يرفعه ويفرعه من غرر الفقر ودرر الفكر بخاطره الوقاد النقاد المنقاد الطائع مقتفياً فيما ينشئه آثار ما يصدر عن الحاكم والآمر مكتفياً فيما يبديه بمقدار ما تبرز به المراسيم والأوامر حافظاً للسر العزيز كاتباً كاتماً فلا يعضده فيه عاضد ولا يظفر به ظافر معتمداً على الكتمان في جميع ما يورده ويصدره مقتصداً بالتوفيق في سائر ما يخفيه ويظهره‏.‏

والوصايا فمن آدابه تستفاد والنصائح فلها منه المبدأ وإليه المعاد فليتسنم ذروة أعلاها وليتنسم نفحة رياها‏.‏

رسم بالأمر - لا زال رأيه الشريف يقرب من الأمور صواباً ولا برح أفق سماء مملكته الشريفة يطلع بفلكه بدراً منيراً وشهاباً - أن يرتب فلانٌ‏.‏

لأنه العدل الذي اشتهرت عدالته والأمين الذي بهرت فظهرت أمانته والرئيس الذي ما برح صدر المحافل والفاضل الذي فاق بفضله على الأقران والأماثل وشهدت بنزاهته المشهورة الأواخر والأوائل‏.‏

فليباشر هذه الوظيفة مباشرةً مطابقةً لعدالته المشهورة معربةً عن أصالته المخبورة موضحةً عن ديانته التي غدت في العالمين معروفةً غير منكورة ليصبح هذا المنصب مشرقاً بنوره سني الأرجاء بساطع ضياء شهابه ونور بدوره وهو - أعزه الله - غنيٌّ عن وصية منه تستفاد أو تنبيه على أمرٍ منه يبدأ وإليه يعاد وليتناول معلومه الشاهد به الديوان المعمور هنياً ميسراً ولا يقف أمله عنده‏:‏ فإنا لنرجو فوق ذلك مظهراً‏.‏

توقيعٌ بنظر اللاذقية كتب به للقاضي برهان الدين الأذرعي وهو‏:‏ رسم بالأمر - أنفذه الله في الآفاق وطوق بمنه وفواضل بره الأعناق - أن يستقر المجلس السامي - حرس الله مهجته وأهلك حسدته - في نظر اللاذقية المحروسة على عادة من تقدمه وقاعدته بالمعلوم الشاهد به الديوان المعمور إلى آخر وقتٍ‏:‏ علما بأمانته المشهورة وكتابته التي هي بين أهل الصناعة مشكورة وخبرته التي هي في المباشرات معروفةٌ غير منكورة وكفايته المألوفة الموفورة فإنه باشر الحسبة الشريفة ونهى وأمر واتبع في أحكامه ما أمر به أمير المؤمنين عمر وضبط أموال بيت المال بحسن نظره وميز وثمر‏.‏

فليباشر هذه الوظيفة المباركة مباشرةً على أجمل العادات ويسترفع مالها من الحسبانات ويوصل إلى أرباب الاستحقاق ما لهم من الحقوقات على ما يشهد به الديوان المعمور في سائر الأوقات فإن هذه الوظيفة من أجل المباشرات وليتناول معلومه الشاهد به الديوان المعمور هنياً ميسراً على جاري العادة لمن تقدمه في الفروع وسائر الجهات وليعتمد على تقوى الله تعالى في سائر الحركات والسكنات والله تعالى يتولاه والاعتماد على الخط الكريم أعلاه‏.‏

توقيع أيضاً في المعنى‏:‏ لا زالت صدقاته الشريفة تقيم لاتباع الحق برهاناً وتسدي إلى كل أحدٍ خيراً وإحساناً - أن يرتب فلانٌ ناظراً باللاذقية المحروسة وما هو مضافٌ إليها على عادة من تقدمه وقاعدته ومعلومه الشاهد به الديوان المعمور‏:‏ لأنه طالما باشر نظر بيت المال فوفر الأموال وأصلح ما فسد من الأحوال وسدد بحسن تدبيره الأقوال والأفعال وأظهر من الأمانة ما تميز به في مباشراته وفاق به على قرنائه وأهل زمانه وأوقاته ثم باشر الحسبة فسلك فيها مسلك السر والجهر وصدق الخبر وسلك مسلك أمير المؤمنين عمر‏.‏

فليباشر هذا النظر بقلبٍ منشرح وأملٍ منفسح وليظهر فيه ما جرب به من الأمانة وتجنب الخيانة وليجتهد في تحصيل أموال الديوان المعمور ويبسط قلمه في إصلاح الأمور وليوصل إلى أرباب المرتبات ما هو لهم مستحق فإنهم به أولى وأحق وليوصل إليه معلومه أوان وجوبه واستحقاقه‏.‏

توقيعٌ بمشارفة حصن الأكراد كتب به للقاضي بدر الدين بالمجلس العالي وهو‏:‏ رسم بالأمر الشريف - لا زالت مراسمه العالية تولي الأنام برا وتجدد بإسباغ الإنعام بشرا وتضوع في كل نادٍ من أندية الثناء والدعاء نشرا وتطلع في كل أفق من آفاق السيادة من صدور الأعيان وأعيان الصدور بدرا - أن يرتب فلانٌ في مشارفة حصن الأكراد المحروس‏:‏ لما هو عليه من العفة والصلف والنزاهة التي عرف بها واتصف والرآسة التي انتقلت إلى الخلف عن السلف والعدالة التي لا يتكلف لسلوك نهجها‏:‏ ومن العجب خلو البدر عن الكلف‏!‏ كم حفظت بمباشرته الأموال وصلحت بملاحظته الأحوال وعقدت الخناصر على سيرته وحسن سيره واشتهر بجميل تدبير أوجب تقديمه على غيره‏.‏

فليباشر هذه الوظيفة التي هي من أجل الوظائف وليشكر ما أولي من المعروف وأسدي إليه من العوارف وليبذل جهده في صلاح الأحوال وتثمير الأموال وتقرير القواعد على السداد وإجراء العوائد على وفق المراد فإنه ممن دلت خبرته على جميل آثاره ولاحت الغبطة في اختياره الذي أغنى عن تقديم اختباره كيف لا وهو ممن نشأ في خدور فنون الكتابة واشتهر في مواطن النضال مع وفور الانتقال بحسن الإصابة فهو إن شاء الإنشاء بلغ منه المرام وإن بسط الجرائد للتصرف قيل‏:‏ هذا الكاتب النظام كم له من يدٍ بيضاء في التبييض والتسويد وهمةٍ علياء بلغ بها من السيادة ما كان يريد‏.‏فليقدم خيرة الله تعالى في هذا الأمر ويجعلها إمامه وليتمسك بها مقتدياً بمن قدمها أمامه وليكن عند حسن الظن به ليبلغ من سعادة الدارين مرامه‏.‏

والوصايا التي يعم نفعها ويتعين على تناسب الأعمال جمعها به تسلك سبلها وعنه تؤخذ تفاصيلها وجملها فليسلك منها الأقوم الأرشد وليتمسك بالأقود الأحمد بحزمٍ وافر وعزمٍ غير قاصر وليتناول معلومه الشاهد به الديوان المعمور أحيان الوجوب والاستحقاق رزقاً داراً هنياً ميسراً ساراً من غير تقتير ولا تكدير ولا تنغيص ولا تأخير‏.‏

توقيعٌ بمشيخة المقام الأدهمي كتب به باسم الشيخ عبد الله السطوحي بالمجلس العالي وهو‏:‏ أما بعد حمد الله الذي سقى محلنا بإيابه وأنبت عشبنا بسحابه وأقرأنا كتاب وجهه وأغنانا عن وجه كتابه وجعل لكل مقامٍ مقالاً من صدق أوليائه ومنحهم بما اختار لهم من سرائر مواهبه وعطائه وجمع قلوب الفقراء على العبادة والدعاء بواسطةٍ من أحبابه وأخصاء نجبائه والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ نجم السرى وليث الشرى وسيد من وطيء الثرى وعلى آله وصحبه الذين منهم من لو أقسم لأبر قسمه رب السما وسلم تسليماً كثيراً - فلما كان الاعتناء بالأمور الدينية من الواجبات والمحافظة عليها مما تبادر إليه من النفوس الرغبات وبيوت الله تعالى فهي قوام الدين المتين ولا ينهض بعمارتها إلا الذين اتقوا وآمنوا برب العالمين فطوبى لهم ونعم أجر العاملين‏.‏

ومن البيوت العامرة والسراة الطاهرة والمقامات التي إذا حل بساحتها أكمه العين بصرته نجوماً زاهرة - مقام من ذكر كرامته أشأم في أقطار الأرض وأيمن وأنجد وأتهم السيد الجليل ولي الله إبراهيم بن أدهم سيد الأولياء وسلطان الأتقياء رحمة الله عليه ما سار على الطريق سائر وما امتطى ظهر قلوصٍ مسافر مقامٌ بالزهد موصوف وبالبركات معروف وله الإطلاقات المشهورة والمناهل المأثورة في وردها المبرورة قد استولت عليه يد التبذير وعاد بعد طول سماطه في تقصير واختلف فيه النيات فكان في كيس الفقير فكشف الله هذه النقمة وأدام سوابغ النعمة وأسبل على هذا المقام ظلال الحرمة وأرسل الله على عباده المتقين باعثاً من عنده وأيقظهم لعلمه بأن كلاً واقفٌ عند أمره وحده وأنطق لسان من لا راد لأمره فكشف فلذلك رسم - أن تفوض مشيخة المقام الجليل الأدهمي بثغر جبلة المحروس - على ساكنه الرحمة والرضوان - إلى فلانٍ - نفع الله ببركاته وأعاد على المسلمين من صالح دعواته - عوضاً عمن كان بها بحكم انفصاله حسب ما وردت المراسيم الشريفة - شرفها الله تعالى وعظمها - عند اتصال العلوم الشريفة - زادها الله تعظيماً - بأمر المقام المشار إليه واعتماد المتصرفين فيه‏:‏ إذ وضعت الآن الأشياء في محلها وأسندت الأمور إلى أهلها وقلدت هذه المثوبة إلى من يظهر سرائر فضلها ولحظت الآراء حجر هذا المقام والأثر ولا شك أن السعادة تلحظ الحجر كم له من آيات مشهورة وكراماتٍ بلسان الحمد مذكورة ومساعٍ في الخيرات مبرورة وقد عم الزوايا بأجناس المكارم وبسط للزائرين من إكرامه سماطاً يقول الزائر‏:‏ هذا ولا حاتم‏:‏ نزور دياراً زارها جود كفه ومن دونها للزائرين مراحل ونرجع عنها والجفون قريرةٌ‏:‏ كما راجعت مأوى الحقوف المساحل‏!‏ فليتلق - أعاد الله من بركته - هذه الولاية وليجعل للمقام المشار إليه من خاطره الكريم أوفر عناية ويستخلف عنه إذا توجه إلى مشيخة كذا بحصن الأكراد فإنها مستمرةٌ بيده وولايتها باقية عليه وأمرها في إبدائه وإعادته عليه والله تعالى يتولاه فيما ولاه والاعتماد‏.‏

قلت‏:‏ وقد أتيت على جملةٍ من تواقيع أرباب الوظائف‏:‏ بدمشق وحلب وطرابلس وأعمال كل منها يستغني بها الماهر عما سواها ويقيس عليها ما عداها إذ لا سبيل إلى استيفاء جميعها والإتيان على جملتها‏.‏

وفيما ذكر من هذه الممالك الثلاث تنبيهٌ على ما يكتب بحماة وصفد اللتين هما في رتبة طرابلس وتلويحٌ إلى ما عداها مما هو دونها كغزة إذا كانت نيابة والكرك التي هي دون ذلك‏.‏

والله تعالى هو الهادي إلى التوفيق والمرشد للسداد بمنه وكرمه‏.‏